Site icon IMLebanon

سقط حكم العسكر  

 

 

لبنان بلد الحريات، بلد الديموقراطية، وقد يكون البلد الوحيد في العالم الذي يتكوّن شعبه من 18 طائفة، لذلك فإنّ حكم لبنان ليس سهلاً وبالأخص حكم العسكر، لماذا؟

 

بكل بساطة لبنان بلد يحكم بالعقل ولا يحكم بالقوة.. ولكي نبرهن على قولنا هذا لا بد من العودة الى التاريخ: أول عسكري وصل الى الحكم في لبنان كان الجنرال فؤاد شهاب وهو الوحيد الذي كان يفهم ما معنى مسلم وما معنى مسيحي، وما معنى التعايش الوطني، وبما أنه لم يكن طائفياً وليس مدعياً، كما البعض، بأنه يحاول استرجاع الحقوق المسيحية التي سرقها المسلمون، كان عهده، على الصعيد الداخلي، الأكثر نجاحاً من أي عهد في تاريخ لبنان، ولم يكتفِ بفهم العلاقات الداخلية بين الطوائف في لبنان بل فهم أنّ لبنان بلد عربي ولا يستطيع أن يعيش بعيداً عن عالمه العربي، لذلك كان على أطيب العلاقات مع الرئيس المصري رحمه الله جمال عبدالناصر، وكان على علاقات جيدة مع المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز.

 

وهكذا كان العهد الشهابي، أفضل عهد في تاريخ لبنان والأكثر ديموقراطية واستقراراً.

 

طبعاً سقط الشهابيون في انتخابات رئاسة الجمهورية وجاء الى الحكم المرحوم الرئيس سليمان فرنجية سنة ١٩٧٠، وكما هو معروف فإنّ الرئيس سليمان فرنجية لم يكن طائفياً في حياته، ولا يتسع الوقت للحديث عن ديموقراطية وعن وطنية الرئيس فرنجية المعروفتين من الجميع، ولكن للأسف الشديد جاء في الوقت غير المناسب لأنّ المؤامرة على لبنان بدأت عام 1969 مع إجبار لبنان على توقيع «معاهدة القاهرة» التي حوّلت لبنان الى بلد محكوم من الفلسطينيين المسلحين الذين طردوا من الأردن ومن سوريا وأقاموا في جنوب لبنان دولة «فتح لاند» وغيرها في العرقوب.

 

وهكذا أصبح لبنان بلد مواجهة مع إسرائيل لا بل البلد الوحيد في المواجهة الفعلية، وبسبب الوجود الفلسطيني المسلح سمحت إسرائيل لنفسها بأن تحتل لبنان، وكانت بيروت العاصمة العربية الوحيدة التي تحتلها إسرائيل، والباقي معروف… إلى أن جاء «اتفاق الطائف» وكان الرئيس رينيه معوّض أول رئيس منتخب بعد «الطائف» ولكنه اغتيل! طبعاً معروفة القصة لأنه لم ينفذ عملية إزالة التمرّد العسكري للعماد عون الذي كلفه الرئيس أمين الجميّل في آخر عهده، نكاية بالسوريين، لأنهم رفضوا أن يمدّدوا له فجاء بقائد الجيش العماد ميشال عون ليكون رئيس الحكومة التي عليها أن ترتب وتهيّىء الأوضاع لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

 

ولكن للأسف ما إن جلس على كرسي بعبدا حتى اعتصم بالكرسي وبقي جالساً حتى قامت سوريا مع الجيش اللبناني الذي كان قائده العماد إميل لحود بإزالة التمرّد العسكري… وهكذا هرب الجنرال عون بالبيجاما الى السفارة الفرنسية في اليرزة، تاركاً زوجته وبناته الثلاث في القصر، الذي دخل إليه العميد علي ديب قائد القوات الخاصة السورية وسلم بنات العميد الى إيلي حبيقة، وقال له إنّ الجنرال له بذمتك دين فخذ وارجع له بناته وهكذا حصل… فلم يترك الجنرال عون القصر إلاّ بالقوة.

 

ثم جاء عهد المرحوم الرئيس الياس الهراوي الذي كان من أهم الرؤساء في تاريخ لبنان إذ عرف كيف يتعامل مع الرئيس المرحوم حافظ الأسد، واستطاع أن يأتي بالمرحوم الرئيس رفيق الحريري لكي يعيدا بناء لبنان، ومدّد للعهد 3 سنوات، كما قال الرئيس الأسد عندما كان في القاهرة وسأله أحد الصحافيين فردّ قائلاً أبلغني اللبنانيون انهم يريدون التمديد للرئيس الياس الهراوي فوافقنا.

 

في عهد الرئيس الياس الهراوي أعيد بناء القصر الجمهوري والقصر الحكومي وبناء المطار وبناء المدينة الرياضية وبناء السوليدير ومعظم البنية التحتية، وبعده جاء العماد إميل لحود… ويُحكى أنّ الرئيس الأسد طلب ملفات المرشحين للرئاسة فوجد أنّ العماد لحود لم يقرأ كتاباً واحداً في حياته، فقال هذا أفضل رئيس…

 

طبعاً كان أسوأ عهد في تاريخ لبنان إذ يكفي اغتيال شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري في أكبر عملية إجرامية في تاريخ لبنان، ولولا المرحوم البطريرك صفير سامحه الله لكانت الجماهير صعدت الى قصر بعبدا وخلعت إميل لحود من كرسي الرئاسة… وطبعاً أنشئت المحكمة الدولية وأوقفت 4 مسؤولين أمنيين طوال 4 سنوات في السجن، ثم أطلق سراحهم غير متهمين وغير بريئين، ولا تزال المحكمة تنتظر استدعاءهم، والمصيبة أنّ أحدهم اعترف بأنه قبض من مسؤولين كبار ما مجموعه 30 مليون دولار ولا نعرف ما هي الخدمات التي قدمها مقابل هذه المبالغ.

 

جاء ميشال عون الى الرئاسة بعد الرئيس ميشال سليمان الذي تجرّأ على طرح الاستراتيجية الدفاعية وأصدر «بيان بعبدا» فشن عليه «حزب الله»، بلسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد أعنف هجوم قائلاً له: «خذ مشروع الاستراتيجية الدفاعية وانقعه بالمياه واشرب مياهه»، ولم يستطع بالرغم من كل المحاولات أن يمشي بمشروع الاستراتيجية الدفاعية لكي ننتهي من السلاح غير الشرعي…

 

وبعد سنتين ونصف السنة من دون رئيس للجمهورية والمجلس النيابي مقفل، ظن الدكتور سمير جعجع أنه إذا اتفق مع العماد ميشال عون حسب ما جرى في «اتفاق معراب» يمكن أن ينقذ لبنان وأنّ العماد عون كونه زعيماً لبنانياً ومسيحياً لن يقبل بوجود سلاح غير سلاح الدولة، وهكذا فعل الرئيس سعد الحريري، وكانت الصدمة أنّ الرئيس ميشال عون تخلى عن موضوع سلاح «حزب الله» وتخلى عن كل ماضيه وكيف ذهب الى الكونغرس الاميركي يشكو من تدخل سوريا في لبنان ومن فرض سلاح «حزب الله» على اللبنانيين وأنه يجب خلاص لبنان من سلاح «حزب الله»…وصل العماد ميشال عون ومن أجل التوريث تخلى عن كل مبادئه فأصبح أكثر تطرفاً ضد مصلحة لبنان واللبنانيين، ونسي كل ما كان ينادي به من تكسير رأس حافظ الأسد بل الأنكى أنه ذهب الى سوريا متذرعاً بأنّ السوريين خرجوا من لبنان ناسياً أو متناسياً وكلاءهم، طبعاً الحزب العظيم، وأخيراً طلب الرئيس بشار الأسد من السيّد حسن نصرالله تبني الضابط جميل السيّد للنيابة بدلاً من أمين عام حزب البعث في لبنان الرفيق عاصم قانصوه لأنهم بحاجة الى أشخاص لهم خبرة معينة، ولا ننسى أن السيّد رافق الوزير ميشال سماحة من دمشق الى بيروت ومعه هدايا اللواء علي المملوك ولكنه لم يكن يعرف ما يوجد في الصندوق وما هي نوعية الهدايا.

 

باختصار، سقط حكم العسكر في لبنان وهذا العهد لم يعد باستطاعته أن يكمل بعدما قضى على البلد وعلى الشعب على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، والأخطر على أنجح وأهم قطاع في لبنان ألا وهو قطاع المصارف.

 

عوني الكعكي