رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش تُصرّان على إكمال التحقيقات في ملف الفساد في تطويع تلامذة المدرسة الحربية حتى النهاية. فهل يكشف الموقوفون السبعة أمام القضاء جميع أعضاء «المافيا» المتورطين في هذه القضية؟
ليس سهلاً أن يعترف أبٌ بأنّه دفع رشوة لسمسار لقاء إدخال ابنه إلى الكلية الحربية. وليس سهلاً على تلميذ ضابط أن يفضح التلاعب والتزوير الذي ارتُكب بالتواطؤ بينه وبين والده والسمسار كي يتخرّج هو مرتدياً البزة العسكرية بنجمة ملازم. معظم الحالات هذه يكاد يستحيل أن يتوافر فيها دليل الإدانة. كذلك فإنّ حجم الشجاعة الذي يُفترض أن يتحلّى به الراشي ليجرؤ على أن يواجه مافيا ذات نفوذ، يجب أن يكون غير مسبوق.
ليس جديداً الحديث عن رُشى تُدفع مقابل ضمانات بدخول من يدفع المال الكلية الحربية، لكن الجديد وجود أهالي اعترفوا بدفع رشى. أهالي ليسوا من الأغنياء، بل موظفون من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، دفعوا جنى أعمارهم لتحقيق حلم راودهم بأن يروا أبناءهم ضباطاً تزيّن أكتافهم النجوم. بين هؤلاء، موظفٌ في قناة تلفزيونية محلية لم يكن يتخيّل أنّه قد يدفع «شقا عمره» مقابل حلمٍ لن يتحقق، بل يحصل عكس ذلك، ينتهي الأمر به في السجن، فيما سينتهي الأمر بابنه مطروداً من الكلية الحربية. لم تخلُ من الدموع جلسة التحقيق أمام القضاء أمس. هذا الوجع عايشه قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الذي استمع إلى إفادة الموقوفين في «فضيحة المدرسة الحربية» على مدى ١٤ ساعة في يومين متتاليين. أمس وأول من أمس، استجوب أبو غيدا أشخاصاً يشتبه في توسّطهم لدخول عناصر ورتباء وضباطٍ الى الجيش في مقابل قبض رشى ومبالغ مالية طائلة من ذويهِم. استمع القاضي إلى المشتبه في كونهم راشين ومرتشين، ليقرر في نهاية الجلسة إصدار مذكرات توقيف وجاهية في حق ستة مدنيين وضابط متقاعد من الأمن العام. وفي هذا السياق، كشفت مصادر قضائية أن الوقائع «ثابتة لجهة تورط المتهمين»، مؤكدة أن بعضهم اعترف بما نسب إليه. ورغم إقرار بعضهم بما نُسب إليه، بقي أحد الموقوفين يُصرّ على الإنكار.
ويبدو أنّ القرار اتُّخذ بالسير في التحقيقات في القضية التي عُرفت بـ«فضيحة المدرسة الحربية» حتى النهاية، رغم ما يجري التداول به عن سعي جهات سياسية نافذة لـ«لفلفة» القضية وحصر التحقيق في الموقوفين السبعة. فقد كشفت المعلومات أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون كان جازماً بضرورة متابعة الملف القضائي حتى النهاية لتوقيف المتورطين في ملفات الفساد، سواء كانوا داخل المؤسسة العسكرية أو خارجها. الموقف نفسه يصرّ عليه قائد الجيش العماد جوزف عون الذي اتّخذ القرار بفتح التحقيق بعد توليه قيادة الجيش بأقل من شهر، والذي يشدد على عدم وجود غطاء على أي شخص، مدنياً كان أو عسكرياً، تؤدي التحقيقات إلى الاشتباه فيه. وأتت التوقيفات الأولية التي طالت ضابطاً متقاعداً من الأمن العام، رغم المظلة السياسية التي يحظى بها، لتُثبت أنّ شيئاً ما تغيّر في التعامل مع ملفات كهذه. وجاء بيان قيادة الجيش أمس ليؤكد أنّ التحقيقات مستمرة. وبرزت لافتة إشارة قيادة الجيش بشكل قاطع إلى مدى تورط المشتبه فيهم في متن بيان مديرية التوجيه بقوله: «لدى توافر معلومات مؤكدة». هكذا رأت المؤسسة العسكرية أنّ المعلومات مؤكدة بشأن تقاضي أشخاص رشى مالية لقاء تطويع تلامذة ضباط في الكليّة الحربية، ما أدى إلى توقيف سبعة أشخاص بناءً على إشارة القضاء المختص. وأكّد البيان حرص القيادة على مبدأ الشفافية في المحاسبة.