يُخطئ كثيراً مَن يُميّز بين مجموعتي «جبهة النصرة» و«داعش» في ملفّ المخطوفين العسكريين كما بالنسبة إلى «الجيش السوري الحر». فوجودهم إلى جانب بعضهم البعض يتقاسمون الأرض والهدف والعدوّ نفسَه يؤكّد أنّ الاعترافَ متبادَل. ويزيد مرجع أمنيّ ووزاري سابق فيقول: «إنّهم من خرّيجي السجون والمعاهد نفسِها، واحَد بِـدِكّ والتاني بِـقَوِّص». فما الذي يقود إلى هذا الكلام؟
كان اعتقادٌ يسود أوساط المفاوضين اللبنانيين بأنّ «النصرة» لن تمسَّ شعرةً من العسكريين، وأنّ صفوفَهم من السوريين «خالية من أيّ عنصر من الأجانب السفّاحين»، وأنّهم سيتعاطون مع الملفّ بمنطق «أسير الحرب». فهم يجمعون ضبّاطاً وعناصر فارّين أو منشقّين من الجيش السوري النظامي، ويمكن أن يلتزموا المبادئ التي تحترمها الجيوش.
كان ذلك المنطق سائداً في الأيام الأولى للخطف، وتنامى هذا الحديث عندما سارَعت «داعش» الى إعدام عسكريين بقطع رأسيهما، لكنّ ما فاجأ الأوساط العسكرية والأمنية أنّ «النصرة» سارعت الى نزع هذه «الصفة العسكرية – الإنسانية» عنها، فقتلت عسكرياً رمياً بالرصاص، فتساوَت في إجرامها مع «داعش» شكلاً وأداءً.
وزادت الجبهة من التنكّر لمواثيق الحروب ومبادئها عندما راحت تنشر أفلاماً لمجموعة العسكريين المخطوفين يسيرون حفاةً في أراضٍ قاحلة مليئة بالشوك، إمعاناً في أذيّتِهم والمسّ بكراماتهم وشرَفهم العسكري. وجاءت هذه الممارسات بعدما دانوا توقيفَ الجيش اللبناني أحدَ ضبّاط «الجيش السوري الحر» متجوّلاً بلا أوراق ثبوتية، ووضْعَ أسراه من «المسلّحين غير العسكريين في عرسال» صفوفاً متراصّةً لجمعِهم قبل نقلِهم الى المراجع القضائية والعسكرية المختصة لمحاكمتهم، مستذكرين أصولَ التعاطي بين الجيوش، بعدما تناسوا أبسط مبادئها وأصولَ التعاطي مع عسكريين نظاميين في الحروب.
كان التصنيف بين «داعش» و«النصرة» جارياً في جلسةٍ حضرَها مرجع أمني ووزاري سابق، فتوسّع في شرح ما يعرفه من حقائق تتّصل بتركيبة هذه المجموعات وطريقة تفكيرها، فهو تعاطى معهم في ملفات سابقة. ولم يُخطئ يوماً في تقدير الموقف منهم. وعلى هذه الخلفيات، قال العسكري المتمرّس إنّ منطق التفريق بين الخاطفين ليس في محلّه، فكلّ منهما ينطق باسم الآخر، وأيّ محاولات لوضع أحدهما في خانة التطرّف وآخر في خانة التسامح، ليس في محلّه، ولعلّ أصحّ الأمثال يكمن في مصير النظرية التي أطلقَها النائب وليد جنبلاط باعتباره أنّ «النصرة» تستحقّ الاعتراف بسَورنتها لغياب «الغرَباء» عن صفوفها، على عكس «داعش» التي تجمع في صفوفها إسلاميين من كلّ الأجناس والدول، فسقطت هذه النظرية قبل أن يجفّ حِبرها.
وعليه، فإنّ الحديث عن الفصل بينهما ليس في محلّه أيّاً تكن الظروف التي تتحكّم بمواقفهم. فكلاهما يسعى الى زرع بذور الفتنة بين اللبنانيين، وتحديداً بين أهالي العسكريين والمتعاطفين معهم والدولة متمثلةً تارةً بقيادة الجيش وطوراً برئيس الحكومة أو أعضاء خلية الأزمة.
أضِف إلى ذلك سعيَهم إلى شلّ الحركة على الطرُق الدولية أو قطع الطرُق الى قلب بيروت، وهذه كلّها ممارسات يعتقد أهالي المخطوفين من خلالها أنّهم يطيلون من أعمار أبنائهم وحماية رؤوسهم.
فأيّاً كانت الظروف التي يعيشها الخاطفون ومعهم المخطوفون في جرود المنطقة، فإنّ ما هو مطلوب – كما يقول المرجع الأمني – السياسي – البحث عن طريقة استخدام أوراق القوّة، إن وُجِدَت، مع الاعتراف بأنّ تجربة «حزب الله» في استعادةِ أحد مخطوفيه يمكن أن تتكرّر مع العسكريين من خلال تراجُع الحزب ومَن يؤيّدُه عن رفض المقايضة بأيّ ثمن، ووقف التصنيف بين «الجيش السوري الحر» و«النصرة» و«داعش». فجميعُهم من مدرسة وثكنة واحدة، ليصحّ المَثل العسكري القائل «واحد بِـدِكّ والثاني بِـقوِّص».