أمران متلازمان يتحكمان بالنكبة السورية في هذه الأيام، الأول تهاطل المبادرات المدّعية البحث عن «حل سياسي»، والثاني، تهاطل التطورات الميدانية بطريقة تجعل الحديث عن «حل عسكري» اكثر صدقية وأقرب الى المنطق!
والواقع هو ان العلاقة بين الأمرين عضوية وأُسَرية: ما كانت قوى المحور الايراني لتتحرك بهذه الحيوية والهمّة تحت لافتة الحل السلمي لو لم تكن أحوال الميدان على هذه الدرجة من السوء بالنسبة اليها.. وليس صعباً، في المقابل، تصور الأمر لو كانت تلك الاحوال في غير اتجاه. أو لو بقي مردود الاستثمار الممانع في «داعش» مربحاً مثلما كان حتى الأمس القريب.
وحسناً تفعل المعارضة والقوى الاقليمية الداعمة لها، لجهة ابقاء زخم اندفاعها على الارض عند وتيرة مرتفعة وعدم تغيير الاجندة العسكرية الراهنة، وعدم الركون الى ضجيج الحكي عن «الهجوم الديبلوماسي» الايراني وجعله يطغى على ضجيج الآلة الحربية، حتى لو تحكّمت معطيات «كبرى» بالمديات الجغرافية التي يمكن ان تصل اليها تلك المعارضة في هذه المرحلة.
وصحيح في الاجمال، ان تقدم المعارضة ميدانياً يبدو «محسوباً» والى حدود الدفع باتجاه اجبار الاسد على الرضوخ لمساعي الحل في نسختها الاصلية. أي على قاعدة التسليم بالمرحلة الانتقالية ونقل كل الصلاحيات الرئاسية والتنفيذية الى حكومة هذه المرحلة تمهيداً للإعلان «الرسمي» عن انتهاء العهد الاسدي بعد أكثر من اربعة عقود على بدئه.. لكن الصحيح ايضاً في المقابل، هو ان احوال بقايا ذلك العهد تبدو اكثر هشاشة من تحمل تبعات ما يحصل على الارض. وتزداد احتمالات انهيارها دفعة واحدة مع كل متر أرض تخسره في سهل الغاب شمالاً أو في منطقة درعا جنوباً أو في محيط دمشق وسطاً وريفاً.
تحاول ايران، في ضوء ذلك كله، ان تغيّر تكتيكها من دون تغيير استراتيجيتها. وان تبيع الآخرين من كيسهم: تطرح ما تسمّيه مبادرة للحل بعد ان عجزت على مدى السنوات الاربع الماضية عن إبقاء يد الاسد السلطوية هي الاعلى. وتريد ان تمنّن الاطراف المضادة، بأنها استفاقت على فضائل التسوية في وقت ثبت عجزها عن فرض العكس. وتريد ان تبيع سعيها الى ذلك «الحل» لكن تحت سقف بقاء الاسد في مكانه! أي انها تريد في السياسة والديبلوماسية، ان تحقق ما عجزت عنه في الحرب والقتال!
لكن شطارتها في التكتيك لا تعوض خطاياها في الاستراتيجية. وحساباتها في الاساس قائمة على الغلط. وما يقوم على الغلط لا يوصل الى الصح: افترضت ان الغالبية السورية ستعود صاغرة للاستكانة والرضوخ لحكم طغمة حزبية مافيوية فئوية لا تعوّف مكوّناً من شرّها حتى لو كان من الذين تدّعي حمايتهم! وهذا رأس الغلط وقمته وأوّله وآخره!
ما يمكن قراءته بوضوح، هو ان «قوى المحور» الممانع مهجوسة باحتمال الانهيار الشامل لبقايا السلطة الاسدية في اي لحظة! وتحاول جاهدة استباق ذلك او تأجيله او تعطيله.. تطرح مبادرة تلو أخرى للحل السياسي لأن معطيات الارض تُعيد يوماً تلو يوم ومعركة تلو معركة، الاعتبار لـ«الحل العسكري».