جاء الكلام المنقول على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، إذا كان دقيقاً، «انه وفي اللحظة التي حضر فيها موريس سليم إلى السرايا وعَلا صراخه، اعتبرتُ أنه انتهى بالنسبة إليّ والتعاطي معه سيكون رسميًّا من خلال الكتب»، ليؤكد انّ الخلافات بين رئيس الحكومة والتيار الوطني الحرّ حول إجراءات الحكومة وقراراتها باتت مُستعصية على الحل ما لم تسلك الطرق القانونية والدستورية، بغضّ النظر عن أهمية وضرورة المواضيع التي تطرح في الجلسات ويجري تَبنّيها في ظل مقاطعة وزراء محسوبين على التيار.
لكن، يبدو انّ ميقاتي قرّر سلوك الطريق الصحيح قانونياً في تعيين اعضاء المجلس العسكري للجيش (رئيس الاركان والمدير العام للإدارة والمفتش العام)، عبر إبلاغه الوزراء انه «وجّه كتاباً الى وزير الدفاع موريس سليم يطلب فيه رفع اقتراحات بما خَص تعيينهم»، وهو الاجراء الذي طالما طالبَ به التيار وأكّده الحقوقيون وكثير من السياسيين بأنه لا يجوز قانوناً تجاوز وزير الدفاع في مسألة التعيينات العسكرية، لا سيما انّ الوزير سليم رَد فوراً قبل جلسة مجلس الوزراء على كتاب ميقاتي وارسل له الجواب بإبداء الاستعداد للتعاون في معالجة هذا الملف وبالتوافق السياسي الذي أكد عليه ميقاتي. لكن تبقى العبرة في تجاوب الطرفين وفي التنفيذ وتجاوز العقبات و«الفيتوات» السياسية والاجرائية.
ولعلّ هذه المبادرة الميقاتية، ولو المتأخرة، تفتح الباب أمام التوافق الذي طلبه واشترَطه ميقاتي ووافق عليه الوزير سليم، لمعالجة الشغور في المراكزالثلاثة بالمجلس العسكري للجيش، بعدما تم تأجيل تسريح قائد الجيش بقانون نيابي، لكنه معرّض للطعن حتى لو لم يأخذ به المجلس الدستوري كما فعل في سوابق سابقة «لتسيير المرفق العام». لكن، لو أخذ المجلس الدستوري بالطعن وتم تعيين رئيس للأركان تنتفي مشكلة الشغور في قيادة الجيش بحيث يَتسلّم رئيس الاركان بموجب القانون مَهام القائد.
ومع استمرار المساعي التي يقوم بها النائب السابق وليد جنبلاط مع القوى السياسية لا سيما «تيار المردة» للتفاهم على تعيين رئيس للأركان، تبقى مَسألة موافقة التيارات المسيحية على مبدأ التعيين في مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي مُعلّقة وقابلة للنقاش. وهو امر كان مرفوضاً، وقد يصبح مقبولاً كما كان تشريع الضرورة في مجلس النواب مرفوضاً واصبح مقبولاً لتأخير تسريح قائد الجيش! وقد يتطلّب الحل موافقة الرئيس ميقاتي على طرح التيار الحر بأن يوقّع مرسوم التعيين كامل اعضاء الحكومة وكالة عن رئيس الجمهورية، او موافقة التيار والقوى المسيحية الاخرى على توقيع ثلثي اعضاء الحكومة لتنتهي المعضلة.
وفي اعتقاد مصدر نيابي بارز انّ معالجة الشغور العسكري مرتبطة الى حَد التماهي بملف رئاسة الجمهورية، لذلك كان هذا الصراع السياسي حول التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، من دون إغفال انّ العماد عون يبقى مرشحاً لرئاسة الجمهورية في حال أُحيل الى التقاعد، ويبقى اسمه مطروحاً للتداول في حال بقي في منصبه قائداً للجيش سنة اضافية، لكنّ انتخابه يتطلّب تعديلاً دستورياً ترى المصادر النيابية أنه صعب إن لم يكن غير مُتاح أقلّه في هذه المرحلة من التجاذب السياسي الشديد، نتيجة رفض كتل نيابية مسيحية وازنة لتعديل الدستور. ومع ذلك لكل حادث حديث والامور مرهونة بأوقاتها، ففي لبنان ما يبدو مستحيلا الآن قد يصبح مطلوباً لاحقاً نتيجة ضغط الظروف على واقع البلاد.
وفي حال تم التوافق المنشود على ملء الشغور العسكري، يعود الحراك الرئاسي مطلع العام المقبل كما افادت المصادر النيابية، وسيعود التجاذب السياسي مجدداً الى الساحة الرئاسية مع طرح المبادرات الجديدة من قبل اللجنة الخماسية العربية – الدولية وعبر موفدَي فرنسا وقطر، مع تمسّك مؤيدي ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بترشيحه وطرح الفريق الآخر مرشحه، ولتجرِ الانتخابات بين مرشحين اثنين وليَفُز من يفوز كما يقول الرئيس نبيه بري. ويبقى المهم التوافق المسبق على عقد الجلسات الانتخابية وتوفير نصاب الانتخاب.