بعد غياب لأسابيع، ظهر قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني الذي بدا لفترة، مع تمدد «داعش» في العراق، الرجل «الأسطورة» الذي يدير كتائب الجيش العراقي والميليشيات، ويوجهها في أرض المعركة. وحين اختفى سليماني منذ معركة تكريت، كانت المصادفة اندفاعة كبرى لـ «داعش» في الرمادي.
لعله ترك الأمر للغارات الأميركية، وها هو «يحاسب» الرئيس باراك أوباما، ويتجرأ على اتهامه علناً بـ «المشاركة في المؤامرة». ومَن يدري، ربما يعود سليماني ليظهر فجأة مع ميليشيات «الحشد الشعبي» التي انتقد البنتاغون شعارها «لبيك يا حسين» في الحملة لاستعادة قلب محافظة الأنبار من أبي بكر البغدادي.
«تبخرت» القوات العراقية لدى هجمة «داعش» على الرمادي، تكررت كارثة الموصل، على رغم أن هذه القوات «كانت أكبر بكثير من عدوها لكنها اختارت الانسحاب». وتقويم وقائع ما حصل ورد على لسان البنتاغون الذي أصرّ على موقفه، ليمحو محاولة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن تهدئة غضب حكومة حيدر العبادي.
وما بين العبادي وغضبه، وإدانة سليماني مشاركة الأميركيين في «المؤامرة»، يطلق «الحشد الشعبي» شعار الحملة لتحرير الرمادي والذي لا يراعي مجدداً حتمية الابتعاد عن كل ما هو مذهبي، أو ما يثير استياء سنّة الأنبار، وقلقهم وغضبهم. ففي أذهانهم تجربة مكافأة «الصحوات» على يدي نوري المالكي، ما زالت حيّة.
ألم يكن بديهياً في المقابل، أن يثير وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مسألة القلق من اقتراب الحدثين العراقي والسوري من خطوط تقسيم بلدين عربيين، فيهما يؤجج «داعش» كما يؤجج النظامان السوري والعراقي، النعرات المذهبية… وثارات التاريخ التي إن استمر اللعب على أوتار شياطينها فلن ترحم أحداً؟
فابيوس يدق ناقوس الخطر: على التحالف الدولي مراجعة استراتيجيته بسبب تمدد «داعش»، وعدم التزام حكومة العبادي تعهداتها. البديل هو التقسيم و «ارتكاب المزيد من المجازر»، أما التعهدات فجوهرها إعادة بناء عراق وطني، وسياسة حكومية لا تميز بين السنّة والشيعة. إذاً، هل يجهل العبادي أن فصائل ميليشيات تسمى شيعية أعلنت قيادتها الحملة (لبيك يا حسين) لتحرير الرمادي، فيما الجيش يقاتل وراءها؟ هو مشروع آخر لإضعاف معنويات الجيش، وبديهي توقع قيادة سليماني «الحشد الشعبي»، لكونه «الأسطورة» العابرة للحدود… وهكذا تصبح المؤسسة العسكرية في الخطوط الخلفية، و «فيلق القدس» و «خبراؤه» في الطليعة. بالتالي، هل من حاجة الى الطائرات الأميركية المرابطة في قاعدة الأسد؟
يضعُف «داعش» أمام أكراد سورية، ويشتد بأسه في العراق. سقطت الرمادي، قلة ربما تذكر أن الموصل ما زالت في قبضة البغدادي منذ نحو سنة. باتت مدينة منسية.
وكمثال لفضيحة «الفضائيين» في الجيش العراقي، وهم آلاف الأسماء الوهمية، يعترف قائد شرطة الأنبار بأن حصيلة التحايل بالأسماء «الفضائية» في هذه الشرطة بلغت 21 ألف عنصر يرتدون قبعة الرجل «الخفي»!
على رغم ذلك، العبادي متفائل باقتراب موعد تحرير محافظة الأنبار التي تشارك عشائرها في القتال لدحر «داعش». والجميع يتمنى أن يكون تفاؤل رئيس الحكومة في محله، وألا يتكرر ما حصل لممتلكات عراقيين من السنّة في تكريت… لا أحد يمكنه اتهام نازحين من الرمادي بافتعال مأساة إرغامهم على العودة الى مناطق القتال، فالرسالة الواضحة تحمل بالتأكيد بصمات مذهبية، مغايرة لكل تعهدات العبادي.
وبين الرجل العراقي «الخفي» والقائد الإيراني «الأسطورة»، يصحّ بالطبع التساؤل عن لغز عجز الصواريخ والطائرات الأميركية عن وقف مفاجآت «داعش» وضرباته. ويصح بالتأكيد سؤال العبادي عن تراجعه في التزام تعهداته، ودفاعه مرات عن «الحشد الشعبي» بصرف النظر عمّا ارتكبه هذا الحشد من انتهاكات وتجاوزات وتصفيات لا تكرّس سوى عراقٍ مذهبي، أو في أفضل الأحوال تقوده على الطريق السريع نحو التقسيم والتفتيت.
هل يستقيم مثلاً أن تقود ميليشيات جيشاً أنفِقت البلايين على تدريبه وتسليحه؟ واضح أن فابيوس لم يبالِغ في تحذيره من مجازر، وحتى في ظل أخطاء الأميركيين وارتباك استراتيجيتهم، كيف يستقيم لدى سليماني لوم عجزهم، فيما طهران لا تشجع سوى كل ما يضعِف الجيش العراقي ويضخم قبضة الميليشيات وبطشها؟
نازحون من الرمادي هربوا من رعب «داعش» وبطشه، فصدّتهم أجهزة وميليشيات يديرها سليماني وخبرته بـ «الريموت كونترول» الإيراني… رغم ذلك تتعالى أصوات التهديد في طهران التي تصدق أن هناك من يصدق في المنطقة -أو عليه أن يفعل- حرصها على أمن الجوار و «استقراره وازدهاره».