كيفما أدار اللبناني بصره فانه يقع على تلال من المشاكل والأزمات في كل الاتجاهات. ويستمع الى السجالات السياسية فيزداد المشهد سوادا. ويفتح عينيه على شاشة التلفزيون مع قهوة الصباح، فتحمل اليه نشرة الأخبار كل ما يسمّ البدن، ويعكّر صفاء النفس، فيبدأ يومه بالتوتر والتشاؤم. أما نشرات الأخبار في آخر الليل فيبدو انها وضعت خصيصا في هذا التوقيت لطرد النوم من عينيه! والأنكى من هذا وذاك أن غالبية مما يقال لا جديد فيه، وهو مكرّر ومعاد مثل قصة ابريق الزيت! وقد يكون النقّ من بعض معالم الشخصية اللبنانية، ولكن مع ذلك، فان المؤشرات الواقعية والعملية توحي بأن لبنان الذي كان قد وصل الى مرتبة عميقة في الهاوية، قد تجاوز القطوع اليوم، وانه بدأ عمليا رحلة الصعود للخروج منها، مع ولادة عهد جديد ومختلف.
***
طبعا، هذا الكمّ الضخم والمتراكم من الأزمات المزمنة والمستوطنة لا يمكن التخلص منها بين عشيّة وضحاها، وكل أزمة تستلزم ما يناسبها من الوقت لمعالجتها وانهائها، وهذا ما يحدث عمليا. والحكم ليس ماكينة خياطة قادرة على درز حلول المشكلات المتناسلة بسرعة درز قطع الثوب! ومن الطبيعي أن يكون قانون الانتخاب هو الأكثر استعصاء لأنه في واقعه يعكس أزمة مجتمع ونظام وطبقة سياسية في غالبيتها تعاملت مع مفهوم الدولة على أنها البقرة الحلوب التي لا ترد قاصدا لها، ودون أن تلبط السطل حتى ولو جفّ ضرعها، وتحرص مع ذلك على أن تبقى البقرة الضاحكة في وجوه الجميع!
***
ما يضاهي قانون الانتخاب تعقيدا، هو سلسلة الرتب والرواتب، والأزمتان هما نتاج تراكم زمني مستمر منذ عقود. واذا كان قانون الانتخاب يعكس الشره السياسي والتزاحم على السلطة والنفوذ والثراء، فان النقار حول السلسلة هو من نتاج إفقار الدولة بالفساد، وضيق ذات اليد الناتج عن سوء توزيع الثروة الوطنية… وهو ليس نتيجة صراع طبقي كما يحلو للبعض تصويره، إلاّ في نطاق محدود. وكما يجري في قانون الانتخاب لتحقيق مكاسب سياسية، كذلك يجري في السلسلة لتحقيق مكاسب شعبوية، مع ما يعنيه ذلك من ان السلسلة هي حق مقدّس لمستحقيها. وقد يكون من الصعب – نتيجة للتراكم – تحقيق قانون عادل ومنصف من جهة، وسلسلة تعطي كامل الحقوق لأصحابها من جهة ثانية،وان يتم ذلك دفعة واحدة في الحالتين، ولكن ما سيحدث عمليا هو تحقيق هذا الانجاز في قفزتين لكل منهما، وفي مدى زمني قد لا يكون طويلا…