من بعبدا الى عين التينة سلك قانون الانتخابات النسبي طريقه تواكبه اعتراضات بعض من طبخوه في خطوة استباقية، تلاقي اصواتاً معترضة من نوع آخر سترتفع في القاعة العامة تحت شعار التغييب والاستئثار، وسط غياب تام للحراك المدني من الشارع وبدء الحديث عن صفقات تلزيم بالملايين لبعض البنود اللوجستية التي فرضها القانون الجديد.
مصادر سياسية واكبت حركة الاتصالات حول قانون الانتخابات منذ ثماني سنوات اعتبرت ان تقاطع مصالح القوى السياسية عند نقطة ارجاء الاستحقاق التشريعي الى الحد الاقصى الممكن، شكّل احد الدوافع الاساسية لاقرار القانون، كاشفة قطبة الخلاف المخفية ارتكزت الى هذه المسالة، ذلك ان الجميع كان يفضل ان تجرى الانتخابات بعد فرز الخيط الابيض الاقليمي من الاسود، وتحديد موازين الربح والخسارة، ليبنوا على الشيء مقتضاه من تحالفات، باستثناء رئيس الجمهورية وتياره، الذي اعتبر ان العهد في قمة اندفاعته، خصوصا انه لم يعد بالامكان التمديد للمجلس في ظل المعارضة الداخلية والخارجية ذلك ان اعذار التمديدات السابقة لم تقنع احدا، كما ان الرئيس عون لم يكن في وارد الافساح في المجال خلال عهده لخطوة من هذا النوع.
وتتابع المصادر بانه لا يمكن ايضاً اغفال الدور المقاوم لرئيس الجمهورية، والانجاز الكبير في النقلة النوعية التي حققها بنقله لبنان الى مصاف الدول المتقدمة من خلال اعتماد النسبية، وقد ساعده في ذلك شبكة التحالفات التي نجح في نسجها وامنت له شبكة امان حمت لاءاته الشهيرة في وجه التمديد والفراغ والستين، مستخدما صلاحياته الدستورية في مواجهة محاولات اسقاطها، مراهنا على لعبة الوقت وانهاك الخصوم فكان له ما اراد، لتنجح استراتيجيته مرة جديدة.
من الانجاز التاريخي الى أفضل المستطاع تأرجحت التقديرات، وقبل أن يبصر القانون الجديد النور من مجلس النواب كانت التعقيبات عبر التغريدات التي وان أخذت الطابع السجالي حول تقييم ما أنجز، لكنها وضعت الجميع على سكة الانتخابات بزخم مبكر سيجعل العديد من الأفرقاء يطالعون في الخرائط والتخالفات السياسية بعد جديد الضم والفرز الذي لحق بالدوائر الانتخابية، فانطلقت الاعتراضات من قبل طابخي القانون منذ لحظة اعلان الاتفاق، فان معارضيه ما زالوا يتخبطون في آلية مقاومتهم له وكيفية فتح النار عليه، فيما يقف في الوسط المرحبون بشك كالوزير وئام وهاب الذي كشف عن صفقة بتلزيم احدى الشركات البطاقات الممغنطة مقابل 35 مليون دولار فيما الكلفة الحقيقية لا تتعدى الخمسة ملايين.
وفي هذا المجال اكدت مصادر نيابية ان اتفاقا ابرم بين الرئاسات الثلاث قضى بان يعطي رئيس المجلس الحق لكل نائب بابداء الملاحظات وتسجيلها، دون السماح بمناقشة المواد الـ 125، على ان لا يسمح باطالة النقاش وتحويل الجلسة العامة الى منبر للحملات الانتخابية، خصوصا وان ما سجله الوزراء في جلسة اقرار الحكومة المشروع يعكس مواقف الهيئات والاحزاب والكتل النيابية على حد سواء، على ان يطرح على التصويت بمادة واحدة كاشفة ان الرئيس بري قد «يتسامح» مع نواب الكتائب واللقاء الديموقراطي وسواهما من الكتل الصغيرة والنواب المستقلين المعارضين للصيغة الانتخابية الجديدة.
من اليوم وحتى موعد الانتخابات النيابية، أحد عشر شهرا من الشلل الحكومي لأن الحكومةَ ستتحوَّل إلى حكومة انتخابات، ففيها على الأقل عشرون وزيرا، من اصل ثلاثين، مرشحين للإنتخابات، بدءا برئيسها. فكيف سيتم شرح مضمون القانون وآليات تطبيقه؟ ماذا ستكون عليه التحالفات الإنتخابية؟ ما هو تأثير القانون الجديد على الحياة السياسية اللبنانية؟ ماذا ستكون الأجواء في جلسة البرلمان؟ هل ستكون السنة الممدة حلبة للخلاف، ام فسحة لتعزيز الاستقرار؟!
أسئلة كثيرة والجواب قدمه رئيس الجمهورية بأن هناك حياة سياسية جديدة في البلد.يبقى ان القانون فصل على قياس بعضهم وراعى أوضاع بعضهم الاخر… إنه قانون نتائجِ الإنتخابات أكثر مما هو قانون الانتخابات، اما الفارق الوحيد الذي يمكن إحداثه فهو ان يتكتل من لم يحسب حسابهم…فيخربطون الحسابات المعلبة للوائح المقفلة.