يلتقي مرشحا أقصى اليسار وأقصى اليمين الفرنسيان، جان – لوك ميلونشون ومارين لوبن على تأييد نظام بشار الأسد وعلى مساندة النهج الروسي في سورية. وفيما تفسر لوبن موقفها بضرورة حماية المسيحيين في المنطقة من خطر الإرهاب الاسلامي المتمثل بـ «داعش»، يقدم الأول مطالعة جيو- استراتيجية عن أن «أنابيب النفط والغاز» هي السبب الأول والأخير للحرب في سورية التي وضعها موقعها على طريق الأنابيب تلك، في مواجهة أطماع دول عربية وغربية، لم يكن أمام الأسد من مفر غير مواجهتها ولو بالقوة.
اللقاء الموضوعي بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ليس جديداً. ذلك أنهما سرعان ما يجدان ما يوحد مصالحهما، كل وفق ذرائعه الأيديولوجية والانتخابية (التنافس على أصوات العمال الفرنسيين، على سبيل المثال، في حالة لوبن وميلونشون)، ومن أجل بناء سياسة تختلف عن تلك التي تتبناها الحكومة القائمة في حالة الصراع في سورية.
فنّدت صحيفة «لوموند» (مقالة بيار بريتو، 12/4/2017) طروحات ميلونشون عن محورية مشاريع أنابيب النفط والغاز في اندلاع الثورة في سورية. وبينت أن المشاريع تلك قد تمّ التخلي عن أكثرها قبل 2011، وباتت غير ذي معنى بالنسبة إلى أصحابها، وهو ما أشار إليه عدد من الباحثين في وقت سابق، خصوصاً أن أنابيب النفط والغاز قُدمت كتفسيرات لعدد من الأزمات مثل الوضع في أفغانستان والتمدد الإيراني في العراق وغيرهما. بيد أن التوضيح الذي قدمته الصحيفة الرصينة، لا يكفي لإقناع «يساري» فرنسي بتهافت الدفاع عن نظام بشار الأسد وسياسة فلاديمير بوتين بالاستناد إلى مقولات الأنابيب ومصالح الشركات الكبرى.
غني عن البيان أن إسقاط العوامل الاقتصادية والجيو- سياسية لا يعول عليه عند محاولة فهم الصراعات الكبرى مثل تلك الدائرة في سورية. فها هي شركات المقاولات تضع خططها لإعادة الإعمار في سورية قبل أن تتوقف المعارك وتهدأ غارات الطيران. بيد أن ذلك لا يعني أن السيد ميلونشون الذي تحسنت حظوظه في الانتخابات الرئاسية، معني بهذا الجانب من الموضوع.
ثمة ضرب من «الاستشراق اليساري» في الطبقات الدنيا من وعي ميلونشون. ولئن بدت لوبن أكثر تجانساً مع تاريخ اليمين المتطرف في دعم الديكتاتوريات، يرفع منافسها ما تنضح به أدبيات اليسار الأوروبي والغربي عموماً عند تعاطيه في شؤون العالم الثالث. فعلى هذا الجزء من العالم، وفق عتاة اليساريين الغربيين وتلاميذهم المتحدرين من البلدان العربية والاسيوية والافريقية، ألا يشغل باله بمسائل من نوع الحريات الفردية والعامة وحكم القانون والعدالة الاجتماعية التي يفترض أنها المهمات الأولى لأي حزب يساري، بل أن يتفرغ أطراف الليل وإناء النهار لمصارعة الإمبريالية والرأسمالية ولو بالتحالف مع أحط أنواع الديكتاتوريات. الإمبريالية والرأسمالية ذاتها التي تتيح ليساريينا الغربيين إصدار صحفهم ومؤلفاتهم والتحريض على ثوراتهم الوهمية على شاشات تملكها الاحتكارات المالية الكبرى.
أما أن يطالب شعب مسحوق بخمسين عاماً من أحكام الطوارئ والنظام المخابراتي المتوحش، بكرامته وحريته وحقه في التعبير عن رأيه، فهذا يعادل الارتماء في أحضان النيوليبرالية المتوحشة. في العمق، لا يختلف خطاب ميلونشون وأشباهه عن خطاب لوبن، ولا عن أي خطاب استشراقي نمطي يحجب السمة الإنسانية عن سكان بلادنا الفقيرة والمتخلفة التي لا ينقصها إلا غباء السياسيين الغربيين لتتم النِعَم فيها، ويحيلهم إلى بيادق عمياء في سياسات أنابيب النفط والغاز العالمية.