ليس من أحد إلا وهاله ما وقع في منى، في المملكة العربية السعودية، من مأساة يوم الجمعة الماضي، وذهب ضحيتها المئات من «حجاج بيت الله الحرام» ينتمون الى جنسيات مختلفة، وهم في طريقهم الى تأدية مناسكهم في «رمي الجمرات..».
الحدث – المأساة لم يكن الاول من نوعه، وعلى مدى الاربعين او الخمسين سنة الماضية، وقعت أحداث مشابهة جراء التدافع، وان كانت الحصيلة هذه المرة، أكبر كثيراً من كل المرات السابقة.. خصوصاً وأنها المرة الأولى التي يصار فيها الى «تسييس» هذه المأساة على نحو ما صدر عن مرجعيات ايرانية من مواقف «اتخذت من أرواح المسلمين الابرياء وكارثة منى وسيلة للنيل من (المملكة العربية) السعودية وتصفية الحسابات السياسية» على ما قال الرئيس سعد الحريري..
منذ اللحظة الاولى، لم تمر المأساة مرور الكرام، وسريعاً بدأت التحقيقات لمعرفة الاسباب المباشرة التي تمثلت بـ«التدافع» والاسباب غير المباشرة، وقد سارع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الى وضع الامور في نصابها وطلب التحقيق لاجراء اللازم وقطع الطريق أمام أية محاولة لاستغلال هذه الكارثة انطلاقاً من «حرصه الدائم على لم الشمل العربي والاسلامي وعدم السماح لأية أيد خفية بأن تعبث بذلك..».
لم تمر المأساة مرور الكرام، والمملكة هي أكثر المتضررين، مادياً ومعنوياً، حيث أمر العاهل السعودي، وبعد اجراء التحقيقات المطلوبة، بإقالة وزير الحاج وخمسة من المسؤولين، موفياً بتعهداته، وملتزماً بواجباته، وقاطعاً الطريق على أية محاولة لاستغلال هذه المأساة والبناء عليها مواقف سياسية، على نحو ما حصل في المواقف الايرانية التي لم تكن في محلها ولا في الوقت المناسب لاثارة قضايا كان من الممكن البحث فيها في ظروف أحسن من تلك القائمة حالياً..
ترتكب ايران خطيئة كبرى، ان هي راحت في تسييس هذه المأساة، وهي كارثة انسانية بكل المعاني والأبعاد، التي قضى فيها 151 حاجاً ايرانياً وايقاع المئات من الجرحى.. وتصرفت ايران، على قاعدة، وكأن المقصود هو استهداف الحجاج الايرانيين في منى، وهي مأساة طاولت رعايا العديد من الدول.. خصوصا وان العلاقات السعودية – الايرانية ليست على ما يرام، وهي تمر منذ سنوات بمرحلة دقيقة جداً، والمواقف والأدوار متباعدة، بل متناقضة ومتباعدة في العديد من دول المنطقة التي تشهد أزمات، تجاوزت حد «الحروب الداخلية» من اليمن، الى العراق الى سوريا.. وبالتأكيد لن يكون لبنان بعيداً من تداعياتها، بنسبة او بأخرى..
لا أحد ينكر، ان ايران، كما المملكة العربية السعودية، باتتا لاعبين أساسيين في المنطقة، وان أية «استراتيجية دولية» للمنطقة، ولا بد وان تأخذ في الاعتبار هاتين الدولتين، إضافة الى كل من مصر وتركيا..؟!.
الملاحظ، ان ايران تبني على كل صغيرة وكل كبيرة، مواقف لا تساعد في تقريب المسافات المتباعدة بينها وبين العديد من دول الجوار، وتحديداً في منطقة الخليج، وهي تمضي في سياسة تعزيز التنافر وعدم الثقة، خصوصاً بعدما شعرت ايران أنها عبرت الى بر الأمان الدولي مع ابرام الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة..
تؤكد مصادر ديبلوماسية متابعة، ان ايران ترتكب خطيئة مزدوجة، ضد نفسها وضد سائر الجوار، ان هي اعتقدت ان سياسة التدخل في «كل شاردة وواردة» في المحيط الاقليمي سيوفر لها مناعة كافية وحضوراً أقوى وأكثر اتساعاً، والجميع يعرف ان «الاتفاق النووي» قد يحتضن في ذاته مجموعة من «الهدايا المتبادلة..» خصوصاً أكثر، مع عودة روسيا الى «المياه الدافئة» ودخولها من الباب العريض على خط الأزمة – الحرب السورية، وبدء الحديث عن محور دولي – اقليمي قوامه، روسيا – ايران – العراق – سوريا.. وبالتأكيد فإن لبنان لن يكون بمنأى عن التداعيات..
ليس من شك في ان المنطقة مقبلة على «خلطة دولية – اقليمية» لم تتضح معالمها كفاية بعد.. وليس من أحد يستطيع ان يصيغ السيناريوات النهائية المرتقبة، وان كان السلوك الايراني يحتاج الى اعادة نظر وصياغات نقدية، تسقط حالات الارتياب والتشكك التي ترافق كل خطوة وكل كلمة.. صحيح ان من حق ايران ان تكون حزينة على فقدان العشرات من الايرانيين من الذين قضوا في مأساة منى، او جرحوا، او فقدوا.. ومن حقها أيضاً ان تتابع التحقيقات حول كل ما جرى.. لكن من ضمن الأطر المتعارف عليها دولياً.. وهذا لا يبيح لها التدخل واملاء الشروط، وما يجب عمله وما لا يجب.. لاسيما وان المملكة، لم تقصر في واجب ولم تقصر في الاجراءات التي اتخذت ونفذت في مدة زمنية قصيرة جداً.. والاجراءات التي اتخذت، على مدى اليومين الماضيين، تعطي صورة كافية، على ان ما حصل من مأساة، لن يمر مرور الكرام، ولن يمر من دون محاسبة، ان كان هناك أي تقصير او اهمال او أخطاء.. فلا غطاء فوق رأس أحد.. و«أهل مكة أدرى بشعابها..»؟!