في لبنان والمنطقة مؤشرات لبداية مرحلة جديدة من التهدئة والتسوية، بالتوازي مع مؤشرات ألغام في المرحلة التي تليها، وزرع أزمات قابلة للانفجار بتوقيت يتحكّم فيه مدراء اللعبة الدولية المستمرة منذ نحو ثلاثة أرباع القرن! والأعظم بين هؤلاء المدراء، يتابع تنفيذ استراتيجية طويلة المدى لزلزلة الشرق الأوسط الكبير المقصود به الشرق العربي وعمقه الاسلامي تحت عناوين مختلفة وخادعة وهدفها واحد: إضعاف المنطقة العربية وعمقها الاسلامي الى آخر مدى ممكن بما يجعلها تستسلم وتوافق على معاهدات سلام طوعية أو قسرية مع اسرائيل لتكون امبراطورية مهيمنة ومتسلّطة في طول المنطقة وعرضها! سلسلة الحروب النظامية الاسرائيلية ضد العرب، والانقلابات العسكرية في سوريا، والحرب العراقية – الايرانية، واحتلال العراق للكويت، وحرب اسقاط نظامي صدام حسين والقذافي، وقبل ذلك اختراع القاعدة وتسليم قيادتها الى بن لادن الى حين تصفيته لاحقا، الى اندلاع زلزال ما سمّي ب الربيع العربي والى قيام حكم الإخوان في مصر واسقاطه لاحقا، والى انتشار وباء داعش وأخواتها في المنطقة والعالم ومن حرب اليمن الى حرب ليبيا، كلها عناوين مختلفة ومظاهر متباينة لاستراتيجية واحدة وهدف ثابت: اسرائيل أولا وأخيرا!
الاستراتيجية الأميركية ثبت بالنتيجة انها ليست قدرا لا يمكن ردّه. وقد يتحقق جزء من أهدافها من حيث الاستنزاف والاضعاف، ولكن تظهر دائما عوامل جديدة لم تكن في الحسبان الأميركي، وتقلب الحسابات والأوضاع رأسا على عقب، وتطرأ وقائع جديدة تقود الى اعتراف أميركا البراغماتية بالفشل المرحلي لخططها، فتدير دفّة اللعبة، وتتجه نحو التهدئة والتسوية، وتأخذ فترة تنفّس عميق لتعيد النظر في الأوضاع المستجدة والتخطيط لاعادة التحرّك والعبث لاحقا وفقا للاستراتيجية الأصلية! وهذا ما نرى مؤشراته اليوم على طول خريطة المنطقة وعرضها… من مناطق التهدئة في سوريا تمهيدا لانهاء الحرب، والى تصفية آثار داعش والنصرة وأخواتهما في سوريا والعراق، والى بوادر نجاح مصر في وضع بداية النهاية الى النزاع المدمّر والانقسام المستشري في الصف الفلسطيني بين حماس وفتح، والى دخول أميركا مباشرة لتسوية النزاع داخل مجلس التعاون الخليجي، واضافة الى المساعي المستترة لانهاء حرب اليمن…
غير أن أجواء التسويات الراهنة تحتوي في طيّاتها على ألغام وبذور الأزمات في المرحلة التي تلي مرحلة التهدئة والتسوية… ومنها الصراع على النفوذ والحكم في العراق وسوريا، وكيفية مواجهة التمدّد الايراني في الاقليم، والأخطر هو النزاع على قيام دولة الانفصال في كردستان!