منذ أشهر وباب التعيينات الأمنية مقفل. مع اقتراب موعد الأيام الثلاثة لطاولة الحوار، تكثر الأزمات المتفاقمة التي ترخي بثقلها على حوار لا يلوح في الأفق أي بادرة للخروج منه بحلول عجائبية
قبل أسبوع من طاولة الحوار واحتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء، تتصاعد مؤشرات التعقيد إلى حدّ يطرح تساؤلات عن ماهية الحل العجائبي الذي ستطرحه الطاولة لإيجاد مخرج لرزمة متكاملة من الملفات العالقة.
وإذ يبدو الوضع الداخلي متأرجحاً بين هبّات باردة وساخنة حول صفقة تشمل الترقيات وتسيير عمل الحكومة وحل أزمة النفايات، فإنه عكس في وجه حقيقي التجاذب الحاد (ليس المحلي فحسب، بل الإقليمي) حول الأزمة الداخلية، بين اتجاه إلى تفعيل عمل الحكومة كضرورة ملحّة في وجه تعثر الاتصالات حول مسار رئاسة الجمهورية، وبين دفع الأمور نحو المراوحة المصحوبة بتشدد مدروس، لتحقيق خرق ما في مسار الحل الرئاسي. وبحسب مصدر سياسي مطلع، فإن بورصة الوضع الداخلي سجّلت مزيداً من الذبذبة على إيقاع إقليمي ودولي، وموجات الأخذ والرد حول القبول ببقاء الرئيس بشار الأسد لمرحلة انتقالية أو عدم القبول به. وما حصل في الساعات الأخيرة حول التعيينات الأمنية، دلّ على حدة هذا التجاذب. إذ إن هناك من يرغب في تفعيل الحكومة لأسباب تتعدى الإطار المحلي البحت، وهناك من يريد تجميد العمل بها، والتعيينات الأمنية هي سلاح كل منهما.
حصر التمثيل المسيحي بعون في «خلوة الحوار» دفع المسيحيين الآخرين إلى التشدد
فالسباق مع الوقت قبل حلول موعد تسريح العميد شامل روكز، لا يدفع المعارضين لترقيته مع مجموعة من الضباط إلى القبول بهذه التسوية، مهما كانت الاعتبارات السياسية التي تفترض إيجاد حل سريع للأزمة. معارضو الترقيات لا يزالون، كما العماد ميشال عون، في المربع الأول. هو يريد تعيينات أمنية لا ترقيات، أي مجلساً عسكرياً كاملاً بمن فيه قائد الجيش، ولن يقبل، كما كان يقول منذ أشهر، إلا بتعيينات كاملة غير منقوصة، أو بالحد الأدنى قوننة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، مع الأخذ في الاعتبار كافة المطالب الأخرى المتعلقة بالترقيات والتعيينات داخل المجلس العسكري.
أما معارضوه، فيرون أنه كان مستعداً للقبول بترقية روكز فحسب، لكنهم غير مستعدين لإعطائه مجاناً ما يريده. بالنسبة إلى هؤلاء، لم يسلّف عون أي طرف ممن يملكون قرار الترقيات، حتى يبادلوه قراراً بهذا الحجم. لذا، عكس المشهد أمس، بين كلام الرئيس ميشال سليمان والوزير سمير مقبل في مواجهة عون، الصراع القديم الجديد، بوجه مسيحي داخلي. فيما طغت الإيجابية المفاجئة على كتلة المستقبل لجهة تأييد التسوية السياسية الظرفية، تاركة لسليمان تشدده مع عون.
ورغم موجة الإيجابيات الأخيرة، وسعي النائب وليد جنبلاط الحثيث إلى حل الأزمة، فإن طرفاً أساسياً معنياً بالأزمة، ظل يقول منذ اللحظة الأولى ان لا ترقيات ولا تعيينات أمنية. والاجتماع الجانبي الذي عُقد على هامش طاولة الحوار الأخيرة، زاد من ردود الفعل العكسية، وبدل النتائج الإيجابية التي كان يفترض أن تخرج منه، انتهى إلى ما أثاره موقف الرئيس فؤاد السنيورة من الطروحات المتداولة للترقيات. وكذلك استفز شكل الاجتماع وهوية المدعوين إليه، الغائبين عنه أو المغيبين قسراً. فحضور عون وحده، من دون الممثلين المسيحيين الآخرين على طاولة الحوار، كحزب الكتائب وقوى 14 آذار، دفع هؤلاء إلى التشدد في مقاربتهم لملف التعيينات الأمنية والمتعلقة حصراً بترقية العميد روكز. علماً أن الطرفين المعنيين تربطهما علاقة جيدة مع قيادة الجيش التي وإن كانت لا تعبّر علناً عن موقفها من الترقيات، إلا أن المطلعين على أجوائها يقولون ما يقوله سليمان ومقبل. وغياب الأخير عن الاجتماع الجانبي، وهو المعني مباشرة بترقية العمداء، ارتدّ أيضاً سلباً على أي تسوية كانت محتملة.
وبقدر ما سيكون للتعيينات الأمنية انعكاس واضح على الحوار، وخصوصاً بعد تلويح عون بمقاطعته، وهو الذي سيستفيد من الوضع لتجييش الشارع العوني في تظاهرته نحو القصر الجمهوري، تواجه طاولة الحوار أيضاً بلغم إضافي.
ففي انتظار جلاء الوضع الإقليمي أكثر، بعد تزايد المؤشرات المتعارضة حول سوريا، يبدو الحديث عن الانتخابات الرئاسية على طاولة الحوار حالياً من دون أفق. لذا بدأ الكلام عن قانون الانتخاب يأخذ حيزاً متقدماً أكثر، رغم أن مواقف الأطراف منه معروفة، بقدر مواقفهم من الانتخابات الرئاسية. لكن بمجرد أن رفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتيرة الكلام عنه، وخصوصاً لجهة موقفه من مشروع النسبية مع 15 دائرة، ملاقياً رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، حتى بدا لفريق 14 آذار المعارض أن هناك أسباباً لا تطمئن في طرح هذا المشروع حالياً، وحتى في طرح موضوع الانتخابات النيابية برمتها. وجاء كلام رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ليصب في خانة المشككين والرافضين لطرح قانون الانتخاب على طاولة الحوار. خشية قوى 14 آذار، بكافة أطيافها، أن يكون الهدف من هذا الطرح حالياً، حصول الحزب على تعهد من عون بقبول مشروع النسبية والسير به وفرضه كأمر واقع، وتمييع رئاسة الجمهورية إلى أجل غير مسمى. وبحسب هذه القوى، يسعى حزب الله إلى تحقيق مكاسب مبكرة على طاولة الحوار، من خلال تعويم ملف قانون الانتخاب على حساب رئاسة الجمهورية. وهي تعوّل ليس على موقفها الرافض فحسب، بل على رفض النائب جنبلاط القاطع لهذا النوع من المشاريع، وهو الذي قبل بشق النفس المشروع المشترك بين المستقبل والقوات، حتى ينتهي من نغمة المشروع الأرثوذكسي فقط. وفيما بدأت بعض القوى السياسية مجدداً إعادة تحريك قانون الانتخاب في مجالسها الخاصة، تحسباً لأي جلسة في العقد العادي لمجلس النواب، إذا حصل خرق في الاتفاق على تشريع الضرورة، فإنّ من المبكر الحديث عن احتمال تسويق أي قانون انتخابي على طاولة الحوار إلا من ضمن سلة تفاهمات كاملة. وما حصل في الساعات الأخيرة لا يترك مجالاً لأي تفاؤل بهذا الاحتمال.
لغما التعيينات وقانون الانتخاب يطوّقان الحوار
منذ أشهر وباب التعيينات الأمنية مقفل. مع اقتراب موعد الأيام الثلاثة لطاولة الحوار، تكثر الأزمات المتفاقمة التي ترخي بثقلها على حوار لا يلوح في الأفق أي بادرة للخروج منه بحلول عجائبية
هيام القصيفي
قبل أسبوع من طاولة الحوار واحتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء، تتصاعد مؤشرات التعقيد إلى حدّ يطرح تساؤلات عن ماهية الحل العجائبي الذي ستطرحه الطاولة لإيجاد مخرج لرزمة متكاملة من الملفات العالقة.
وإذ يبدو الوضع الداخلي متأرجحاً بين هبّات باردة وساخنة حول صفقة تشمل الترقيات وتسيير عمل الحكومة وحل أزمة النفايات، فإنه عكس في وجه حقيقي التجاذب الحاد (ليس المحلي فحسب، بل الإقليمي) حول الأزمة الداخلية، بين اتجاه إلى تفعيل عمل الحكومة كضرورة ملحّة في وجه تعثر الاتصالات حول مسار رئاسة الجمهورية، وبين دفع الأمور نحو المراوحة المصحوبة بتشدد مدروس، لتحقيق خرق ما في مسار الحل الرئاسي. وبحسب مصدر سياسي مطلع، فإن بورصة الوضع الداخلي سجّلت مزيداً من الذبذبة على إيقاع إقليمي ودولي، وموجات الأخذ والرد حول القبول ببقاء الرئيس بشار الأسد لمرحلة انتقالية أو عدم القبول به. وما حصل في الساعات الأخيرة حول التعيينات الأمنية، دلّ على حدة هذا التجاذب. إذ إن هناك من يرغب في تفعيل الحكومة لأسباب تتعدى الإطار المحلي البحت، وهناك من يريد تجميد العمل بها، والتعيينات الأمنية هي سلاح كل منهما.
حصر التمثيل المسيحي بعون في «خلوة الحوار» دفع المسيحيين الآخرين إلى التشدد
فالسباق مع الوقت قبل حلول موعد تسريح العميد شامل روكز، لا يدفع المعارضين لترقيته مع مجموعة من الضباط إلى القبول بهذه التسوية، مهما كانت الاعتبارات السياسية التي تفترض إيجاد حل سريع للأزمة. معارضو الترقيات لا يزالون، كما العماد ميشال عون، في المربع الأول. هو يريد تعيينات أمنية لا ترقيات، أي مجلساً عسكرياً كاملاً بمن فيه قائد الجيش، ولن يقبل، كما كان يقول منذ أشهر، إلا بتعيينات كاملة غير منقوصة، أو بالحد الأدنى قوننة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، مع الأخذ في الاعتبار كافة المطالب الأخرى المتعلقة بالترقيات والتعيينات داخل المجلس العسكري.
أما معارضوه، فيرون أنه كان مستعداً للقبول بترقية روكز فحسب، لكنهم غير مستعدين لإعطائه مجاناً ما يريده. بالنسبة إلى هؤلاء، لم يسلّف عون أي طرف ممن يملكون قرار الترقيات، حتى يبادلوه قراراً بهذا الحجم. لذا، عكس المشهد أمس، بين كلام الرئيس ميشال سليمان والوزير سمير مقبل في مواجهة عون، الصراع القديم الجديد، بوجه مسيحي داخلي. فيما طغت الإيجابية المفاجئة على كتلة المستقبل لجهة تأييد التسوية السياسية الظرفية، تاركة لسليمان تشدده مع عون.
ورغم موجة الإيجابيات الأخيرة، وسعي النائب وليد جنبلاط الحثيث إلى حل الأزمة، فإن طرفاً أساسياً معنياً بالأزمة، ظل يقول منذ اللحظة الأولى ان لا ترقيات ولا تعيينات أمنية. والاجتماع الجانبي الذي عُقد على هامش طاولة الحوار الأخيرة، زاد من ردود الفعل العكسية، وبدل النتائج الإيجابية التي كان يفترض أن تخرج منه، انتهى إلى ما أثاره موقف الرئيس فؤاد السنيورة من الطروحات المتداولة للترقيات. وكذلك استفز شكل الاجتماع وهوية المدعوين إليه، الغائبين عنه أو المغيبين قسراً. فحضور عون وحده، من دون الممثلين المسيحيين الآخرين على طاولة الحوار، كحزب الكتائب وقوى 14 آذار، دفع هؤلاء إلى التشدد في مقاربتهم لملف التعيينات الأمنية والمتعلقة حصراً بترقية العميد روكز. علماً أن الطرفين المعنيين تربطهما علاقة جيدة مع قيادة الجيش التي وإن كانت لا تعبّر علناً عن موقفها من الترقيات، إلا أن المطلعين على أجوائها يقولون ما يقوله سليمان ومقبل. وغياب الأخير عن الاجتماع الجانبي، وهو المعني مباشرة بترقية العمداء، ارتدّ أيضاً سلباً على أي تسوية كانت محتملة.
وبقدر ما سيكون للتعيينات الأمنية انعكاس واضح على الحوار، وخصوصاً بعد تلويح عون بمقاطعته، وهو الذي سيستفيد من الوضع لتجييش الشارع العوني في تظاهرته نحو القصر الجمهوري، تواجه طاولة الحوار أيضاً بلغم إضافي.
ففي انتظار جلاء الوضع الإقليمي أكثر، بعد تزايد المؤشرات المتعارضة حول سوريا، يبدو الحديث عن الانتخابات الرئاسية على طاولة الحوار حالياً من دون أفق. لذا بدأ الكلام عن قانون الانتخاب يأخذ حيزاً متقدماً أكثر، رغم أن مواقف الأطراف منه معروفة، بقدر مواقفهم من الانتخابات الرئاسية. لكن بمجرد أن رفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتيرة الكلام عنه، وخصوصاً لجهة موقفه من مشروع النسبية مع 15 دائرة، ملاقياً رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، حتى بدا لفريق 14 آذار المعارض أن هناك أسباباً لا تطمئن في طرح هذا المشروع حالياً، وحتى في طرح موضوع الانتخابات النيابية برمتها. وجاء كلام رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ليصب في خانة المشككين والرافضين لطرح قانون الانتخاب على طاولة الحوار. خشية قوى 14 آذار، بكافة أطيافها، أن يكون الهدف من هذا الطرح حالياً، حصول الحزب على تعهد من عون بقبول مشروع النسبية والسير به وفرضه كأمر واقع، وتمييع رئاسة الجمهورية إلى أجل غير مسمى. وبحسب هذه القوى، يسعى حزب الله إلى تحقيق مكاسب مبكرة على طاولة الحوار، من خلال تعويم ملف قانون الانتخاب على حساب رئاسة الجمهورية. وهي تعوّل ليس على موقفها الرافض فحسب، بل على رفض النائب جنبلاط القاطع لهذا النوع من المشاريع، وهو الذي قبل بشق النفس المشروع المشترك بين المستقبل والقوات، حتى ينتهي من نغمة المشروع الأرثوذكسي فقط. وفيما بدأت بعض القوى السياسية مجدداً إعادة تحريك قانون الانتخاب في مجالسها الخاصة، تحسباً لأي جلسة في العقد العادي لمجلس النواب، إذا حصل خرق في الاتفاق على تشريع الضرورة، فإنّ من المبكر الحديث عن احتمال تسويق أي قانون انتخابي على طاولة الحوار إلا من ضمن سلة تفاهمات كاملة. وما حصل في الساعات الأخيرة لا يترك مجالاً لأي تفاؤل بهذا الاحتمال.