Site icon IMLebanon

المنية ـــ الضنية: معركة رئاسة الحكومة

 

عام 1993 «وُلد» قضاء المنية ــــ الضنية الذي حظي بثلاثة نواب (سنّة) لتمثيله في المجلس النيابي. عرفاً، أُعطي نائبان للضنية وواحد للمنية. لكن هذا العرف كُسر مرتين: الأولى عام 1968 (عندما كان القضاء يضم نائبين فقط) لمصلحة الضنية، والثانية عام 1992 لمصلحة المنية (بعد زيادة عدد النواب إلى ثلاثة). ومع صدور قانون الانتخابات الجديد، قرر الرئيس سعد الحريري تحويل العرف إلى قانون، بتثبيت مقعد واحد للمنية، واثنين للضنية.

وبالتالي أصبحت المنية المدينة الوحيدة في لبنان المتمثلة بنائب واحد، وبالتالي لن يحق لمقترعيها إعطاء صوت تفضيلي.

في شهر رمضان الماضي، زار الحريري منطقة المنية، وأكد أن مقعد المنية «محفوظ مهما كان شكل القانون الانتخابي، ولن يستطيع أحد سرقته». إلا أن أحداً لم يكن يعتقد أن رئيس تيار المستقبل يفكر جدياً في فصل المنية عن الضنية في القانون الانتخابي الجديد، مقدماً هذا التقسيم بأنه «ضمانة لمقعد المنطقة».

لا تفسير لفصل المنية عن الضنية في قانون انتخابات 2018 (فُصلتا في انتخابات 2000 و2005، وألحقت كل منهما بدائرة انتخابية مختلفة، أما اليوم فهما مفصولتان في دائرة واحدة)، إلا أن تيار المستقبل أراد أن يضمن نائباً فيها حتى قبل الانتخابات، بمنع ابن المنية من إعطاء صوت تفضيلي لمرشح الضنية، والعكس صحيح. هذه «الصيغة المشوّهة»، بحسب الباحث الدستوري خالد الخير، تعني أن المستقبل «نجح في قوننة عملية تهريب الصوت التفضيلي في المنية، لخشيته من نتائج النسبية على المعركة المقبلة، ولضمان الفوز بمقعدين على الأقل من الثلاثة المخصّصة للقضاء».

النائب عن تيار المستقبل كاظم الخير، من جهته، يؤكد لـ«الأخبار» أن فصل مقعد المنية جاء لتثبيته واعتباره حقاً لأبناء المنطقة، «ولولا هذا التقسيم، لكان من المؤكد أننا لن نحظى بمقعد نيابي لمنطقتنا»، لافتاً إلى الفارق في حجم القوة الانتخابية بين جناحي القضاء، إذ ينتخب 48 ألف مقترع في الضنية في مقابل 16 ألفاً في المنية. كذلك فإن القانون الجديد، في رأي الخير، «سيدفع كل فريق إلى تشكيل لائحته الخاصة، وهو ما سيجبر كل اللوائح على اختيار مرشح من المنية، ما يعطي قوة إضافية لمرشحي المنطقة للتأثير في نتائج الانتخابات» ضمن دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية.

ورغم أن الخير يرى أنّ «من المبكر الحديث عن الانتخابات وتحالفاتها»، إلا أن المؤكد أن هذه الدائرة ستشهد أكثر المعارك الانتخابية حماوة، لكون الهاجس الرئيس لدى المتنافسين هو كسب الشارع السني، حتى أطلق عليها «معركة رئاسة الحكومة»! وبالتالي فإن كل الأفرقاء مضطرون إلى إنشاء تحالفات انتخابية قوية. بناءً عليه، كيف سيكون شكل التحالفات، وما هي خيارات القوى السياسية في هذه الدائرة؟

ما يضفي ميزة على الانتخابات المقبلة، دخول تيارات سياسية جديدة إلى المنية، كـ«تيار العزم» وتيار الوزير السابق أشرف ريفي. مصادر مقربة من الأخير أكّدت لـ«الأخبار» أنه يسعى إلى نسج علاقات انتخابية مع أحد المكونات الأساسية في المنية، من دون أن يدخل في تحديد الأسماء. وجزمت بأنه «لن يتراجع عن تسمية مرشحه في هذه المنطقة». وبحسب المعلومات، ثمة لقاءات عدة تعقد بعيداً من الأضواء بين ريفي وعدد من المرشحين، أبرزهم عثمان علم الدين ورئيس البلدية السابق مصطفى عقل، «ولكن لا تحالفات أكيدة حتى اليوم».

المستقبل يترقب التحالفات

الثابت الوحيد أن المستقبل لن يجرؤ على طرح اسم بديل لنائبه الحالي كاظم الخير، ولن يفتح باباً للمناحرات الانتخابية داخل صفوفه، لكون الطامحين كثراً، فيما معركته الأساسية هي القضاء على ظاهرة ريفي أولاً، والحفاظ على مقعده النيابي ثانياً. وهو يحسب بدقة لكل خطوة، لكونه لم يعد المسيطر على الأكثرية الناخبة في المنية، بل بات له خصوم عنيدون، بدءاً من ريفي، مروراً بالنائب السابق جهاد الصمد وكمال الخير، ووصولاً إلى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. ما يفتح الباب على عدة احتمالات، من بينها:

1ــ ريفي ـــ الخير

التحالف بين ريفي وكمال الخير المعروف بقربه الشديد من حزب الله وسوريا يبدو من المستحيلات. لكن لا شيء مضمونٌ في السياسة، خصوصاً أن معلومات تشير إلى أن «التواصل بين الفريقين مفتوح، وقد يتمكنان من نسج تحالف الساعات الأخيرة».

ويؤكد الخير لـ«الأخبار» أن «كل الاحتمالات واردة ومفتوحة، ولا شيء يمنع حدوث مفاجآت في التحالفات. ندرس كل الخيارات، بما فيها التحالف مع ريفي، حتى إن لدينا طرحاً لتشكيل لائحة خاصة لنخوض على أساسها الانتخابات».

2ــ ميقاتي ـــ الصمد؟

لا شك في أن قرار الرئيس ميقاتي تبني مرشحين في المنية والضنية لن يكون بالأمر السهل، وهو مضطر إلى البحث عن وجوه جديدة يخوض بها معركته في هاتين المنطقتين، كذلك فإنه ينتظر حسم الرئيس الحريري اسم مرشحيه ليرسم على أساس ذلك خطوط معركته. ويُعرَف عن ميقاتي مراعاته للشارع السني، وهو الذي قرر الاستقالة من رئاسة الحكومة كرمى لعيون ريفي. لذلك، سيسعى إلى طرح مرشحين غير مستفزين عبر وجوه تكون قريبة من طرحه السياسي، وإلا فسيضطر إلى «استيراد» مرشحين من تيارات أخرى تربطها علاقة جيدة مع معظم المعارضين لتيار المستقبل، من دون أن يؤثر ذلك في علاقته بالمملكة العربية السعودية التي يحرص ميقاتي على مراعاة أجوائها.

لكن معلومات شبه مؤكدة تتحدث عن تحالف بينه وبين جهاد الصمد ومحمد الفاضل. الصمد الذي لم ينفِ هذه المعلومات، قال لـ«الأخبار»: «بكّير بعد الحديث عن تحالفات. ولكن هناك أقل من تحالف وأكثر من تفاهم، وبيننا مصلحة مشتركة».

3ــ كرامي ـــ الخير ـــ الصمد

من المؤكد أن تحالفاً بين ميقاتي والصمد سيثير حفيظة معارضي المستقبل الأساسيين ورأسي حربة 8 آذار كمال الخير والشيخ مصطفى ملص وغيرهما في المنية، لكون الصمد محسوباً على 8 آذار التي تشير أوساطها إلى امتعاضها من مثل هذا التحالف. وبحسب مصادر هؤلاء، «فإن العتب كبير إذا ما تخلى الصمد عنا، بعدما وقفنا معه حين تخلى الجميع عنه، وشكلنا رافعة أساسية له». وتختم المصادر: «نعتبر أنفسنا ملزمين به بنفس القدر الذي يلزم نفسه تجاهنا».

العتب على الصمد يأتي من باب الحرص على مواجهة المستقبل والاستفادة من الصراع الدائر بينه وبين ريفي. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن شخصية شمالية فاعلة بدأت محاولات جدية لتقريب وجهات النظر بين أفرقاء 8 آذار لطرح تشكيل لائحة تضم الوزير فيصل كرامي والصمد والخير، وإذا لم تنجح تلك المحاولات، فمن المؤكد نشوء تحالف لتشكيل لائحة رابعة أو خامسة تضم كمال الخير وعلويي طرابلس (الحزب العربي) ومرشحاً عن حزب البعث في طرابلس والضنية ومرشحاً عن الحزب السوري القومي.

لا شيء مؤكد حتى اليوم في تحالفات الدائرة الأصعب سنياً. لكن ما بات أكيداً، أن معركة المنية ــــ الضنية لن تكون نزهة لتيار المستقبل، وهي سترتب عليه العديد من الاحتمالات، أولها خسارته مقعداً نيابياً من أصل ثلاثة… إلا إذا وقعت المفاجأة.