لا يزال المشروع التأهيلي في الواجهة، على ما يبدو، وأحد الطروحات المقترحة بين المختلط والنسبية الكاملة، خصوصاً وأنّ أوساطاً سياسية أكّدت تقدّمه أخيراً مع موافقة كلّ من «تيّار المستقبل»، و«حزب الله» و«حركة أمل» عليه. يبقى على المفاوضين إقناع «القوّات اللبنانية» و«التقدمي الإشتراكي» به. علماً أنّ اعتراض «القوّات» يتمثّل بضرورة وضع قانون إنتخابي أمثل يجعل الناخبين المسيحيين ينتخبون الـ 64 نائباً الذين يمثّلونهم في المجلس النيابي لا أن يصل عدد منهم بأصوات الطوائف الأخرى. فيما يرفض النائب وليد جنبلاط حتى الآن كلّ اقتراح قانون يُعرض عليه انطلاقاً من تمسّكه بقانون الستين الذي يضمن له الحفاظ على مقاعده النيابية.
إذاً فما يُعرقل إقرار القانون الجديد للإنتخاب هو أنّ أطرافاً ما زالت تعترض عليه بحسب اوساط متابعة، فتجمّده في مكانه، الأمر الذي جعل البعض يُسارع الى تأكيد سقوطه مع عدم اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة البحث في هذا القانون. علماً أنّ المباحثات لا تزال مستمرّة من أجل إحيائه أو التوافق على مشروع بديل، وإلاّ فإنّ ما يحصل هو عرقلة مقصودة، على ما ذكرت الاوساط، من دون تقديم أي بدائل مناسبة للمكوّنات السياسية كافة.
وأوضحت أنّ المشروع التأهيلي وتقسيم الدوائر الى عشرة بدلاً من 15، على ما يرغب «التيّار الوطني الحرّ» وكذلك «القوّات اللبنانية»، يؤدّي الى إيصال الناخبين المسيحيين بأصواتهم نحو 54 أو 56 نائباً من أصل 64، وهذا يُعتبر تنازلاً من قبل القوى المسيحية من أجل تسهيل إقرار قانون جديد للإنتخابات. إلاّ أنّ الأطراف الأخرى لا تجد فيه أي تضحية أو تنازل انطلاقاً من أنّها اعتادت على أن يفوز النوّاب المسيحيون بغير أصوات ناخبيهم من المسيحيين.
كذلك ليس من موافقة من قبل جميع الأفرقاء على الصوت التفضيلي في هذا المشروع، فضلاً عن الصعوبة التي تحول دون مشاركة عدد كبير من الناخبين في الدورة الأولى من الإقتراع بسبب اختلاط دوائرهم من الناحية الطائفية، الأمر الذي لا يزال يُدرس من أجل إدخال بعض التعديلات المناسبة عليه. وإذا ما تمّ وضعه جانباً كسواه من المشاريع السابقة، فإنّ المختلط قد يعود الى الواجهة، أو حتى النسبية التي بدأت بعض القوى تلمس مدى فاعليتها في إيصال الممثلين الفعليين عن الشعب الى الندوة البرلمانية.
وبرأي الاوساط أنّه كلّما تمّ تصغير الدوائر فإنّ هذا يصبّ في مصلحة المسيحيين، ولهذا فإنّ القوى المسيحية لن تعترض على القوانين المختلطة لا سيما إذا ما أعيد تقسيم الدوائر الى صغرى أو وسطى، وطُبّقت النسبية على أساس المحافظات القائمة حالياً. غير أنّ «الإشتراكي»، على ما يظهر سيبقى معترضاً لأنّه يشعر بتهديد وجوده مع تطبيق النسبية لناحية عدد الدروز كأقلية. علماً أنّ القوانين المستقبلية ستصبح بكاملها على أساس نسبي، على ما ترى الاوساط، ولهذا يجب البدء منذ الآن بتقبّل هذا الأمر من ضمن القانون المختلط، لا سيما وأنّ المرحلة المقبلة تشي باعتماد القانون النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة.
وتؤكّد الأوساط نفسها بأنّ أي شيء لم يُحسم حتى الساعة، ما دامت اللقاءات والإتصالات السياسية مستمرّة على أعلى المستويات من أجل التوصّل الى اقتراح أو مشروع قانون يرضي جميع الأطراف ويؤمّن التمثيل الصحيح للبنانيين، على ما يريد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي استخدم إحدى صلاحياته بوقف عمل المجلس النيابي لمدة شهر واحد فقط بهدف التوافق أولاً على قانون جديد للإنتخاب.
ومن أجل تأمين التوافق لا بدّ من تقديم التنازلات، على ما أكّدت الاوساط، من قبل أكثر من جهة، وإلاّ فإنّ الدعوة لجلسة الحكومة لن تتمّ ليس فقط في الأسبوع الحالي، إنّما أيضاً في الأسابيع التي ستليه وصولاً الى تاريخ 15 أيّار موعد انعقاد الجلسة النيابية. أمّا في حال قدّمت بعض المكوّنات السياسية التنازلات فإنّ أي جلسة للجنة الوزارية أو للحكومة ستكون مثمرة ويجري خلالها التوافق على الصيغة النهائية للقانون الجديد.
واستبعدت الاوساط أن يصل السياسيون الى جلسة مجلس النوّاب المقرّرة من أجل التمديد لأنفسهم مرة ثالثة، وإن كانت أبواب القوانين المطروحة لا تزال مسدودة من قبل هذا الحزب أو ذاك. فتوافق ثلاثة أو أربعة أطراف لا يكفي إذا ما بقي طرف واحد غير موافق على المشروع، وتأمين الإجماع يتطلّب المزيد من الوقت والتضحيات، ولهذا سيتمّ الإستفادة من الأسابيع المقبلة، على ما شدّدت، من أجل وضع قانون مقبول من قبل جميع المكوّنات السياسية.
فالمهم بالنسبة للشعب عموماً، والناخبين خصوصاً، هو عدم الذهاب الى الإنتخابات النيابية بقانون الستّين تؤكد الاوساط، كما عدم التمديد للمجلس نفسه إلاّ تمديداً تقنياً بهدف شرح آلية القانون الجديد الذي سيُعتمد لجميع المعنيين به من أجل الحصول على انتخابات سليمة وشفّافة، ونتائج توصل الممثلين الفعليين الى المجلس النيابي. ومن هذا المنطلق سيكون حاسماً في حال استمرّ السياسيون بتقاذف المسؤولية فيما بينهم، والمماطلة الى حين تاريخ 15 أيّار المقبل.
وذكرت الاوساط بأنّ الشارع سيكون الوجهة الجديدة للشعب، ولن يخرج منه هذه المرّة قبل أن يتفق السياسيون على قانون جديد للإنتخابات ويقومون بتسيير المؤسسات الدستورية بحسب الأصول، إذ يكفي هذا البلد مماطلة وتسويف وعدم التوافق على قانون جديد للإنتخاب منذ الستين. فتمسّك النائب جنبلاط دون سواه بهذا القانون، لا بدّ وان تسعى القوى السياسية لحلّه مع زعيم المختارة لكي يُصبح أحد المشاريع الأخرى المطروحة عليه مقبول من قبله.
وكشفت الاوساط، أنّ بعض الجهات قد بدأت تتنازل لا سيما «تيّار المستقبل» وكذلك «حركة أمل» لكي لا يسود الفراغ في المجلس النيابي بعد كلّ الإنجازات التي تحقّقت بفعل التسوية السياسية من انتخاب رئيس الجمهورية، الى تشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الموزانة بعد 12 عاماً على التعطيل. فالمجلس النيابي الجديد يجب أن يُنتخب، ليُصار بعده الى تشكيل الحكومة الفعلية للعهد الرئاسي، ولكي ينطلق بشكل جدّي وسريع نحو تقديم الحلول للمواطنين وإنشاء دولة القانون، على ما ينتظر الشعب بفارغ الصبر، فهل من يضع حدّاً للعرقلة والتأجيل قبل فوات الأوان؟!