IMLebanon

«ذو عماء» وأزلام برتبة وزير ونائب

 

دعي المجلس النيابي إلى جلسة لانتخاب اللجان والتصويت على قانون عفو عام. مشهد الدعوة، والنقاش حول من يلبيها ومن لا يفعل، يذكّرنا بالتركيبة المزيفة في بلادنا لما يسمى النظام الديموقراطي البرلماني. من يقول به يفترض أن الشعب اللبناني، عندما يتوجه إلى صناديق الاقتراع، يقوم بذلك بإرادة حرة، ليختار ممثليه نواباً عن الأمة.

 

غير أن واقع الحال أنّ النائب يصل الندوة البرلمانية ليمثّل من سمّاه لهذا المنصب، ويلبي رغباته فقط. المطلوب منه أن يكون معقّب معاملات من أجل زيادة مناصري قائده. وأن يلبي خدمات للناخبين من أجل أن تنمو شعبية الزعيم ليحصد عدداً أكبر من الأصوات في الدورات الانتخابية المقبلة.

 

هي أيضاً حال الوزراء الذين يخرجون من رحم مجلس نيابي جاء أصلاً استناداً إلى قانون انتخاب شرّعه نواب كل همّهم إعادة انتاج الطبقة السياسية الحالية.

 

مجلس على صورتهم ومثالهم من محاصصة ومشاركة في كعكة السلطة. هلّا لاحظنا أن الكتل النيابية جميعها، مع كل الخلافات الجذرية التي تعصف في ما بينها والتي تمنع ولادة الحكومة، بدأت انتقاد بعضها البعض، مجرد انتقاد، من دون أن يصدر أي تصريح يكشف للرأي العام فضائح أي من أعضاء الكتل الأخرى. تصريح يدرك الكل أنه سيفتح بازاراً من الفضائح التي تعبق بها ملفاتهم جميعاً.

 

وبالتالي يتستر بعضهم على بعض ويكتفي بالتهديد المبطن للضغط فقط من أجل تحقيق مآرب سياسية، من دون الارتقاء إلى حد الكشف عما هو مستور.

 

القصة تبدأ بكيفية بلوغ الندوة البرلمانية، ولهذا طرق متعددة. يمكنك أن تحصل على المقعد النيابي فجأة، من دون مقدمات، عبر المال. يقال إن هناك من دفع 20 مليون دولار مقابل اللوحة الزرقاء، وآخر دفع 15 مليوناً من دون أن يصل. أحدهم، على ما يُشاع، كان مضطراً ان يدفع مليون دولار ليمول جزءاً من الحملة الانتخابية للزعيم ولائحته. كل حسب مقدرته المالية. شخص كهذا يمكن أن يدخل النادي البرلماني بين ليلة وضحاها.

 

هناك طريقة أخرى، أن يكون حزبياً أمضى فترة من عمره في خدمة الزعيم، أظهر خلالها ولاءً لا غبار عليه. زعيم لا تهمه سوى مصلحته الشخصية، لا مصلحة حزبه. وعلى هذا النائب (أو الوزير) أن يعمل للمصلحة الشخصية لرئيس الحزب فقط، وأن يعمد، في كل تصريح أو خطاب، إلى تمجيده بطريقة أو أخرى، كدليل حسي على أن لديه مرجعيّة مستنيرة تضيء له الدرب.

 

 

بعض من يسعى لمقعد نيابي، يمكن أن يشتريه بالتقسيط. بمعنى أنه ليس عليه أن يدفع الثمن مرة واحدة، بل يدخل في مسار طويل، من معالمه، مداومة مستمرة في بلاط رئيس الحزب، وإظهار دائم لاستعداده أن يبذل الغالي والنفيس في مقابل رضاه عنه. لافتة جداً ميول رؤساء الأحزاب لبناء علاقات مع رجال الأعمال. في العادة، لدى هؤلاء شخص معين مكلف إدارة العلاقة معهم.

 

هي القناة التي يستغلها أصحاب الأعمال، فيعمدون إلى إظهار استعدادهم للدخول مع الزعيم أو أي من أفراد عائلته في صفقات تجارية، والهدف استغلال ما يمكن أن يوفره لهم هذا الزعيم من فرص وتغطية لمضاعفة أرباحهم.

 

البعض الأخير بلغ الندوة البرلمانية عن طريق القانون النسبي المزيف الذي أجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة. لوحات زرقاء حصل عليها أشخاص نالوا عشرات الأصوات الانتخابية.

 

إحداهن أصبحت نائبة بحوالى 2500 صوت وباتت تتحدث كأنها حصدت مليوني صوت. وهناك نائب بلغ مبتغاه بطلب دولة جارة من أحد الأحزاب الكبرى، وإلا كان مقعده ذهب إلى أحد كوادر هذا الحزب. منهم من حال النظام الأكثري والمحادل الانتخابية دونه ومجلس النواب، استفاد من نسبية القانون الأخير ليحقق طموحه.

 

كل هذا يضاف إلى الحسابات الخاصة للزعماء الذين يسعون دائماً إلى اختيار لائحة مرشحين تعكس التوازن ضمن بيئتهم، سواءً لناحية المناطق أو العائلات، فتكون النتيجة نواباً كثير منهم يجلسون على مقاعدهم لعقود، ويغادرون هذه الدنيا الفانية من دون أن يتركوا أي بصمة برلمانية. لكل ذلك لا يخجل الزعيم او أي من أزلامه بأن يتنقل بموكب مؤلف من عشرات السيارات المصفّحة خائفاً من الناس، يحميه حرّاس يعتاشون بذلّ التوظيف لعائلاتهم، بدل ان يتجوّل محصنّا بمحبة شعبه. هل سأل نفسه أين سينتهي؟ وكيف سيعيش بقية عمره متخفيّاً ومختبئاً؟

 

هذا هو المجلس النيابي الذي يمثل لبنان ذا النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني الحر. في ظلّه، لن يرى اللبنانيون قانون انتخاب نسبيّاً على أساس دائرة انتخابية واحدة يعكس تمثيلاً حقيقياً للمجتمع اللبناني في الندوة البرلمانية. يحاججون طبعاً بالنظام الطائفي، ويتذرعون بأن قانوناً من هذا النوع يحجّم بعض الطوائف. وفي هذا أيضاً رياء وكذب محقق. الحقيقة التي لا لبس فيها أن المانع الوحيد هو خوف الزعماء على زعاماتهم.

 

بالخلاصة لا يمكن أن ينعم لبنان بنظام ديموقراطي برلماني حرّ حقيقي ما لم تفرض الارادة الشعبية الحالية من إقرار قانون نسبي بدائرة واحدة. أي نتيجة أخرى لحراك الشارع، مهما كانت عظيمة، سرعان ما ستتبخر. السبيل الوحيد هو صندوقة الاقتراع. المدخل قانون يحجم الـ«ذو عماء» ورجالاتهم من نواب ووزراء، لن يرى النور إلا بانقلاب حقيقي في ممارسة النظام، لا بإسقاط النظام.