إثارة قضية او »ملف« النازحين السوريين الى لبنان، على النحو الذي حصل – ابتداءً من مواقف وزير الخارجية جبران باسيل – مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي موت، والوفد المرافق له، لم تكن بريئة ولم تعبر سوى عن رغبة في افتعال اشكالية داخلية، لا مبرر لها ولا مسوغ قانونياً وسياسياً لها ولبنان يعيش تراكم أزمات متلاحقة تمثلت في الشغور المتمادي في سدة رئاسة الجمهورية، والشلل الذي يضرب مجلس النواب، وتعطيل فعالية الحكومة وسائر والمؤسسات، إضافة الى سائر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بل والوطنية…
بعيداً عن »الأسباب« و»الدوافع« الشخصية التي دعت وزير الخارجية لمقاطعة زيارة »الوفد الأممي الأعلى«، والغياب عن استقباله ومرافقته في الاجتماعات التي حصلت، وهي أسباب لم تكن مقنعة لأحد، فقد كان لافتاً رفع الصوت عالياً في وجهه، على خلفية سياسية بامتياز، خلاصتها التهويل من مخاطر توطين »اللاجئين« الفلسطينيين و»النازحين السوريين…« وهي مسألة يجمع عليها الافرقاء اللبنانيون كافة.
الذي يظهر، ان »التيار الوطني الحر«، الذي يرأسه الوزير باسل، بات في وضع محرج للغاية، وهو لم يحقق تقدماً على خط ايصال (الرئيس السابق »للتيار«) النائب ميشال عون الى القصر الجمهوري وبات يعطل عن سابق اصرار وتصميم، انجاز الاستحقاق الرئاسي الأمر الذي اثار جملة أسئلة وتساؤلات ليست في صالح »التيار« وحلفائه ووضعته في موقع ما عاد يملك معه سوى التفتيش عن عناوين تثير مخاوف المسيحيين عموماً، وتعيد »تبييض صفحته« كما وتعيد »الحشد الشعبي« من حوله، على ما يظن… وقد كانت زيارة بان كي مون، وحديثه عن »عودة طوعية« للنازحين الى ديارهم، »شحمة على فطيرة« كما يقال في الأمثلة العامية… وهم أي »النازحون« لم يحضروا طائعين الى لبنان، بل مكرهين بفعل »الحرب الكونية« على أراضيهم منذ نحو خمس سنوات…
وبعيداً عن الاعتبارات كافة، فإن التداخل الجغرافي، بل والسكاني أيضاً والاستقرار النسبي المقبول في لبنان، حفز السوريين على النزوح الى لبنان، وهم لم يقصروا مع اللبنانيين يوم تعرضوا لولات حروب الخارج والداخل، فوجدوا في »الحاضنة السورية« أمنهم وأمانهم وكرامتهم… هذا مع الاشارة الى ان لبنان واللبنانيين، في ظل تراكم الأزمات الداخلية والمحيطة لم يتمكن من القيام بواجباته التي باتت واجبات دولية… فكانت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة ومعه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي للتنمية، الى لبنان من أجل مساعدته على تحمل عبء النزوح… هذا مع الاشارة الى وجوب الفصل بين أزمة »اللاجئين الفلسطينيين« و»النازحين السوريين« حيث لكل منهما حيثياتها وأسبابها ونتائجها، ومعالجاتها؟!
لم يكن مستساغاً ان يصار الى استغلال الأزمتين في لعبة السياسات اللبنانية والداخلية التي قاربت حد »العنصرية« في بعض أوجهها«… وهي ليست في مصلحة أي أحد، لاسيما وان أحداً لم يسعَ الى ما »تخوف« منه الوزير باسيل وفريقه السياسي… والحديث عن استخدام السوريين ورقة في الانتخابات السورية المقبلة، يبقى من نسج الخيال الذي اعتاد البعض على استحضاره كورقة للتخويف، او التحفيز او شد العصب…
بناء المواقف على مجرد »تخمينات« قد يصح كـ»بروباغندا« اعلامية دأب »التيار الحر« على ان يعتاش عليها… لكن من الخطورة بمكان، رمي المسألة، »وكأنها حقيقة« في ملعب الآخرين، على خلفيات طائفية او مذهبية، لاسيما وأن أحداً لم يبادر، ولم يصدر عنه ما يشي بأن هناك رغبة دفينة او ظاهرة توحي باحتمال »التوطين«.
من حق اللبنانيين، بل من واجبهم، كدولة، وككيان، وكشعب واحد، مخاطبة »المجتمع الدولي« اذا كان يظهر كل هذا القلق على مسألة النازحين، بأن الحل »هو في ضرورة العمل وبأقصى ما يمكن لحل الأزمة السورية… التي باتت »حرباً كونية« بامتياز، وبصيغ متعددة… خصوصاً وان طبخة »الحلول السياسية« باتت على النار، وهي، على ما يظهر، تحقق تقدماً، ولو بطيئاً، يصح ان يبنى عليه مستقبل سوريا الواحدة الموحدة، كياناً ودولة وشعباً ومؤسسات… لكن من المغامرة الادعاء بأن الحلول حاصلة بين ليلة وضحاها… وبأن على النازحين البدء بـ»ضبضبة« أحوالهم ويستعدوا للعودة الى ديارهم… وقد كان البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي على حق في »رسالة القيامة« أول من أمس عندما قال ان »القوى السياسية الاقليمية والدولية تفرض الحروب المدمرة للحجر والبشر في بلدان الشرق الاوسط، خصوصاً في فلسطين والعراق وسوريا وسواها، وتوقد نارها وتمولها وتمدها بالسلاح وترسل اليها الارهابيين والمرتزقة وتغطيها سياسياً من أجل مآرب سياسية ومصالح اقتصادية وأهداف استرايتجية…« ليخلص الى القول: »هؤلاء هم أشخاص ماتت المشاعر الانسانية في قلوبهم، بل قلوبهم ماتت…«.
قد يكون في محله القول ان يصار الى استغلال نازحين، قلوا او كثروا، ليكونوا »رافداً لتغذية الارهاب« إلا أنه من غير الممكن الادعاء بأن النازحين، والذين كانوا هم ضحايا الارهاب وضحايا »الفوضى المنظمة«، ان يشكلوا »غطاءً للارهاب والارهابيين« على ما ادعى الوزير باسيل، وليزرع في قلوب البعض مشاعر لا تخدم لبنان واللبنانيين، وهم يمرون بأدق المراحل وأكثرها خطورة… وليست مبالغة قول البعض تعليقاً على كلام وزير الداخلية، بأنه »يحاول اختراع موضوع غير موجود ولا أدلة عليه…«.