رغم ضبابية المشهد الإنتخابي العام والدخول في المُهَل الدستورية مصادر مواكبة تتوقع الإتفاق على قانون جديد قبل منتصف آذار
قانون الوزير باسيل الإنتخابي الأخير هو نفسه قانون وزير الداخلية مروان شربل الذي أقرته حكومة الرئيس ميقاتي
ليست الانتخابات النيابية أولوية لبنانية وحسب بل أضحت أولوية أيضاً على الأجندة الدولية والأممية، ذلك أن جميع المسؤولين الغربيين والأميركيين والأمم المتحدة الذين يتعاقبون على زيارة لبنان وليس آخرهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت كوركر جنيور شددوا خلال اجتماعهم بالمسؤولين اللبنانيين على ضرورة احترام لبنان الاستحقاقات الدستورية، بعدما تجاوز قطوع انتخابات رئاسة الجمهورية وفي تشكيل حكومة جامعة لمختلف الشرائح اللبنانية. غير أن القيادات السياسية ما زالت تتخبط في مستنقع القانون الانتخابي، وما زال كل فريق يشد الحبل في اتجاهه لضمان مصالحه الانتخابية ولنقل حصته الوازنة على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة غالبية الشعب اللبناني التواق الى ممارسة حقه في اختيار ممثليه عبر انتخابات نزيهة وقانون عادل يسمح لهم بالتعبير الحر وفي الاختيار الحر أيضاً بعيداً عن المحادل والبوسطات التي لا توصل الى مجلس النواب من يمثلونه بشكل صحيح، بل يصل أولئك الذين تختارهم تلك الطبقة الحاكمة والمتحكمة منذ اكثر من ربع قرن للركوب في البوسطة.
وفي ظل هذا الواقع المظلم الذي يعيشه اللبنانيون بين من يتمسك بالنظام الأكثري لأنه يؤمن له كتلة نيابية كبيرة تخوله التحكم في اللعبة البرلمانية، وفي عمل السلطة الاجرائية، لم يعد من المستبعد ان تتدخل القوى الدولية والإقليمية على خط الأزمة كما فعلت بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، اما من باب الاضطلاع بدور توفيقي يفضي إلى تسوية على غرار التسوية الرئاسية توصل هذه المرة الى قانون الحل الوسط بما يرضي القوى السياسية المتباعدة، فينقذ الاستحقاق النيابي ويعزز ركائز العهد الجديد التي بدأت تهتز جرّاء استمرار التجاذب بين الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة حول اي قانون يجب اعتماده لتجري على أساسه الانتخابات النيابية ويثبت لبنان الدولة تمسكه بالنظام البرلماني المكرّس في دستور الطائف، وعدم رغبة البعض في الانقلاب عليه لتغيير المعادلة التي أرساها ميثاق 43 وكرَّسها في الدستور اتفاق الطائف.
وهناك أكثر من رسالة تبلغها كبار المسؤولين اللبنانيين في الفترة الأخيرة من عواصم غربية تحثهم على ضرورة استغلال التسوية الرئاسية واجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس قانون عصري يؤمن التمثيل الصحيح حتى يثبت لبنان تمسكه بالديمقراطية التي تنص على ان الشعب هو مصدر السلطات كلها، وبذلك يحافظ لبنان في هذه المنطقة التي تشهد حروباً وأزمات كبيرة على دوره كحارس للديمقراطية ولحقوق الشعب في تقرير ما يراه مناسباً كونه مصدر السلطات كلها، وتصل هذه الرسالة الى حدّ تحذير الطبقة السياسية من مغبة ومخاطر تفويت هذه الفرصة التي ما زالت متاحة رغم ضيق المهل الدستورية. وما الكلام الذي صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد اجتماعه الى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي الا انعكاساً لما سمعه من المسؤول الاميركي عن رغبة بلاده في أن تجري الانتخابات النيابية في موعدها الذي نص عليه القانون والدستور، حتى تستكمل عملية انتظام المؤسسات الدستورية وتفعيل عملها لأنه من دون ذلك سيبقى هذا البلد عُرضة للاهتزازات والاضطرابات الشعبية على خلفية تخلي المسؤولين عن مسؤولياتهم التي ينص عليها الدستور وترك كل الابواب مشرعة لتدخلات البعض من الطامعين بالسيطرة على هذا البلد لاستخدامه ورقة مساومة في لعبة الأمم. فحذارِ من أن يؤدي استمرار الخلاف والتجاذب بين الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة للوصول الى حالة انعدام الوزن، وتمزيق الدولة الى دويلات أو الى كانتونات التي بات البعض يفكر بها ملياً، وإن كانت الظروف لم تصبح مؤاتية بعد للاعلان عنها بشكل صريح وواضح لا لبس فيه.
من الثابت حتى الساعة، كما تجمع المصادر السياسية المتابعة لحركة الاتصالات المتواصلة بين القوى السياسية المختلفة ان الضباب الكثيف ما زال يلف الجهود المبذولة للتوصل إلى قانون انتخابي جديد يقبل به الجميع، ما من شأنه أن يُهدّد مصير الاستحقاق الانتخابي برمته في الوقت الذي زاد فيه سقوط المهل القانونية وازداد المشهد غموضاً على رغم بعض الاجتهادات الدستورية التي تقول أن موعد عودة الهيئات الناخبة هو 21 آذار المقبل لا 21 شباط الجاري وفي حين توالت الصيغ الانتخابية التي طرحت على بلوغ الحائط المسدود تباعاً من الاقتراحات التي تعتمد على النسبية الكاملة إلى تلك التي تعتمد على المختلط وعلى التأهيل قبل النسبية، وآخرها كان القانون الذي قدمه وزير الخارجية جبران باسيل الذي يقوم على التأهيل وفق الأكثري على مستوى القضاء وبعد الانتخاب على الأساس النسبي على اساس المحافظات، مع تقسيم لبنان إلى 14 دائرة انتخابية وهو نفسه القانون الذي اعده وزير الداخلية السابق مروان شربل وأقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
غير أن مصدراً نافذاً في التيار الوطني الحر يرفض مقولة سقوط اقتراح الوزير باسيل ويؤكد أن المشاورات بشأنه ما زالت مستمرة، في ظل اجواء إيجابية وستتكثف في الأيام القليلة المقبلة للوصول الى تفاهم حوله مع احتمال إدخال بعض التعديلات الطفيفة كرفع عدد الدوائر الانتخابية من 14 الى 15 وربما إلى ست عشرة دائرة بهدف تطمين كل القوى والمكونات اللبنانية الى ان هذا المشروع لا يستهدف أحداً بقدر ما يهمه الوصول الى قانون عصري يؤمّن التمثيل العادل والصحيح ولا يلغي أحداً من هذه المكوّنات.
ولا يستبعد هذا المصدر أن تسفر هذه المشاورات في الأسبوعين المقبلين عن اتفاق على الصيغة النهائية للقانون الانتخابي الجديد الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة بعد تأجل تقني لا يتعدّى الثلاثة أو الأربعة شهور.