جاءنا إلى بيروت الرئيس الألماني فرانك شتاينماير وعاد والعاصمة اللبنانية لا تزال تحترق. ولا بد أنه سأل عن السبب وأُبلغ أن وزير الخارجية وممثل الدبلوماسية، جبران باسيل، قال كلاماً رديئاً في حق رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري من نوع أنه «بلطجي» و«سوف أكسر رأسه».
اخترعت الدبلوماسية من أجل التعبير عن المواقف الحادة بكلمات هادئة. وأنشئت السياسة من أجل تفادي المواجهات والأزمات وتوفيرها على الشعوب والأمم. وضيفنا العزيز الهير شتاينماير قادم من بلد قال مؤسسه بسمارك: لقد انتصرنا على فرنسا بمعلم مدرسة.
الرئاسة في ألمانيا منصب رمزي. ويحتله غالباً وزير خارجية سابق لأنه يكون قد رسخ في التجربة الدبلوماسية وعرف أهمية الوحدة الوطنية ومعناها، وتعلم كيف يمثل كل مكونات المجتمع الألماني، من دون أن يكون طرفاً في أي نزاع.
والمؤسف أن الوزير باسيل طرف في كل نزاع. ولا يتردد، أحياناً كثيرة، في التصرف على أنه المفوض السامي في البلاد، أو «الباب العالي»، بل هو يتمتع بذلك. ولا يعطي بالاً للأصول والبروتوكول والأعراف واللياقات المتعارف عليها. ليست أول مرة في لبنان يعطى صهر رئيس الجمهورية حقيبة وزارة: فارس بويز صهر الرئيس إلياس الهراوي، كان وزيراً للخارجية. وإلياس المر، صهر الرئيس إميل لحود، كان وزيراً للداخلية. ولكن «صهورة» باسيل تشمل الجمهورية اللبنانية بجميع وزاراتها.
وقد شعرنا بالخجل من الهير شتاينماير، ليس فقط بسبب إحراق المطاط في الشوارع، بل أيضاً بسبب اللغة التي تستخدم في السياسة. لقد تساوت التعابير بالحرائق وكادت الأزمة تتطور إلى أبعد من ذلك لأن صهر الرئيس عون، وليس الوزير، هو الذي يوجه الإهانات لأركان الدولة.
وأهمية الرئيس بري في لبنان والعالم العربي ليست في موقعه، بل في شخصه وفي دوره. وهو منذ ربع قرن يدير حركة التوازن السياسي والاعتدال الوطني، وهو الذي يمثل «حزام الأمان» عندما تبلغ الأزمات حافاتها.
بعكس ذلك، يستخدم الوزير باسيل لغة حادة، ويصر على مواقف التحدي، وكأنها سبيله إلى طموحاته. وبعد وصول الجنرال عون إلى الرئاسة، لم يعد ذلك يحرجه وحده أو يلزمه وحده، بل أصبح أي تصرف يحرج العهد نفسه. والعهد لا يمكن أن يبدأ بمثل هذا التعثر، في حين البلد في حال اختناق اقتصادي وتأزم اجتماعي ومحاط بأخطر الأوضاع الإقليمية.
ربما يفيد لبنان والعهد معاً من صورة أخرى للوزير باسيل، يبدو فيها أكثر هدوءاً وأقل ازدراء للكرامات الوطنية.