عنوانان أساسيان يكادان يختصران “أجندة” وزير الداخلية الجديد محمد فهمي: الوضع الأمني ومكافحة الفساد. الأولوية راهناً للشقّ الأول في ضوء مشاهد الشغب التي تسللت إلى واجهة الحراك الشعبي، محوّلة مسرح الاعتراض إلى معارك تخاض أمام اللبنانيين “بالصوت والصورة”، بين القوى الأمنية ومن تصفهم بالمشاغبين.
هنا يحاول وزير الداخلية نقل تجربته في المؤسسة العسكرية إلى “مربعات المواجهة” من خلال “غربلة” ساحات التظاهر، ووضع خطّ فاصل بين السلميين وبين أولئك الذي يعتمدون العنف وسيلة للتعبير عن آرائهم الاعتراضية.
بنظره، إنّ حماية المجموعة الأولى هي مسؤولية وطنية وأخلاقية لأنّ من حقهم رفع صوتهم عالياً حتى لو من باب انتقاد وزارة الداخلية. ولكنه لن يسمح بالاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والقوى الأمنية، وبالتالي من واجبه ملاحقة أي “مرتكب”.
يؤكد فهمي في حديث لـ”نداء الوطن” أنّ التكتيك الذي اعتمد في الجولة الأخيرة من التظاهر في ساحتي رياض الصلح والشهداء، سيكون هو النموذج الذي ستلجأ إليه القوى الأمنية في تعاطيها مع المتظاهرين على تصنيفيْهما، وذلك لمواكبة جلسة الثقة النيابية التي يتوقع لها أن تشهد ضغطاً احتجاجياً.
يومها حاولت القوى الأمنية حصر المشاغبين ضمن “ممر” محدد للحؤول دون تفلّتهم وانفلاش بقعتهم، بموازاة اعتماد منحى المعالجة المتدحرج التصاعدي، الذي يبدأ بدعوة السلميين إلى مغادرة الساحة وينتهي بإخراج المشاغبين مع الاكتفاء باستخدام المياه لتفريقهم، والحرص على حماية السلميين.
مكافحة الفساد
في المقابل، يتبيّن أنّ الشق المتصل بمكافحة الفساد سيكون مكمّلاً للعنوان الأمني، كونه سيشكل صدمة إيجابية في ما لو صدقت الحكومة بوعودها الإصلاحية والإنقاذية، الأمر الذي سيساعد على عودة الهدوء إلى الشارع من جديد.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير الداخلية أنه سيحاول تكريس نمط جديد من العمل في الشأن العام، ولن تكون مكافحة الفساد شعاراً مجوّفاً من مضمونه لا سيما في مجال البلديات وتحديداً تلك التي تفوح منها رائحة الفساد، “وهذه ليست بقليلة”. وكشف أنّه سيضع خطة إصلاحية متكاملة لمكافحة الفساد، لافتاً إلى أنّ الخطوات العملانية التنفيذية هي وحدها التي ستعيد الثقة للمواطن، ويجزم: لن أقوم بأي تلزيم من دون إجراء المناقصة اللازمة ولن يكون أي عقد بالتراضي.
أين جميل السيد من توزيره؟
ولكن دخول فهمي مبنى الصنائع من باب مكافحة الفساد لم يحُل دون تطويقه بسيل من التوجس والقلق والحذر المرتبط بمسيرته العسكرية، وتحديداً في رئاسة فرع الأمن العسكري في الجيش خلال ولاية الرئيس السابق اميل لحود، ما دفع بعض معارضيه إلى التصويب على توزيره وكأنه يهدف بشكل خاص إلى تطويع الحركة الاحتجاجية وقمعها.
بداية، يجزم فهمي أنّ حرصه على تطبيق القانون لا يعني أبداً أنّه يعتمد استراتيجية مقنّعة تهدف إلى تطويق التظاهرات، لأنّ حق الاعتراض مقدس كما أنّ أبناءه كانوا من الأوائل الذين نزلوا إلى الشارع اعتراضاً.
لكن الأهم بالنسبة إليه، هي تلك “الروايات المختلقة” المنسوجة حول سلوكه الأمني وصولاً إلى علاقته بالنظام السوري. ينفي نفياً قاطعاً أن يكون النائب جميل السيد هو من تولى تزكيته لوزارة الداخلية، لا بل كان للنائب البقاعي مرشح آخر.
ويسأل: لقد كان اللواء السيد رئيسي المباشر، ولكن لماذا حسبت عليه ولم أحسب مثلاً على مدير المخابرات آنذاك العميد ميشال الرحباني؟ تربطني صداقة باللواء السيد، ولكن مضى أكثر من أربع سنوات على لقائنا الأخير. ما زلنا نواظب على تبادل رسائل المعايدة في المناسبات، أسوة بما أفعله مع الرئيس السابق ميشال سليمان أو النائب جورج عدوان على سبيل المثال.
أما عن علاقته بالنظام السوري، فيشير إلى أنّه تعرّض لأكثر من إصابة خلال معارك خاضها على الجبهات ضدّ السوريين. وحين عيّن رئيساً للأمن العسكري لم يكن على معرفة بأي ضابط سوري. يقول: لقد تكبدت الدماء في حياتي العسكرية لأحسب على وطني فقط. وحده القانون هو الذي حكم علاقتي باللواء رستم غزالي وقد رفضت تنفيذ الكثير من الطلبات غير المقبولة بنظري وكنت أسأله: هل تقبل بتطبيقها في الجيش السوري؟ وفي مروره بالحديث عن “زلزال” اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان نقطة تحوّل في مسيرته العسكرية، يلفت إلى أنّه “خضع للتحقيق أمام لجنة التحقيق الدولية 11 مرة، إنتهت باعتذار قدمته إحدى القاضيات الألمانيات”.
العلاقة مع “المستقبل”
على هذا الأساس، يؤكد الوزير محمد فهمي أنّه لم يدخل وزارة الداخلية من باب الانتقام أم الثأر. ينفي وجود أي علاقة مع الرئيس السابق سعد الحريري، على عكس الحال مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي “جمعني به الخبز والملح والتواصل الدائم بعلم قيادتي طبعاً. ومع ذلك، فإنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري زعيم ورئيس حكومة سابق ورئيس كتلة وازنة ذات حيثية شعبية وبالتالي لا يمكن تجاوزه”.
ويشير إلى أنّ “قوى الأمن الداخلي مؤسسة لكل لبنان وليست لـ”تيار المستقبل”. كلنا أبناء المؤسسة العسكرية وبالتالي وحده العمل المؤسساتي هو معيار العلاقة مع الأجهزة الأمنية، فيما التحقيقات في قوى الأمن الداخلي لا تزال جارية على قدم وساق”. ويشيد فهمي بالتنسيق الحاصل مع مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان “الذي يبدي كل تجاوب في التعاطي معي، هو رجل مؤسساتي، وأعرفه منذ زمن”.
في كل ما يدلي به، يحرص وزير الداخلية على التأكيد أنّه لا طموح سياسياً لديه، ولا يخطط أبداً للترشح أو حتى لمراكمة حيثية شعبية. هو في مبنى الصنائع لأداء مهمة وطنية لا أكثر، ينتهي دوره مع انتهاء المهمة. ولذا يشير إلى أنّ توقيف نجل الوزير السابق وئام وهاب لم يكن عملا فولكلورياً… “فالتمثيل ليس من مواهبي. وقد أبلغت كل من اتصل بي أنّ القانون هو الذي سينفذ، والآن بات الأمر في عهدة السلطة القضائية”.