الذاكرة الموثَّقة، والسجل المثبت بالنسبة إلى أحداث عرسال، بدءاً من مطلع آب 2014، وصولاً إلى أحداث الجرود الأخيرة، موجودان في ذاكرة وسجل وزير الإتصالات في الحكومة الحالية جمال الجرَّاح. فمن خلال ما كشفه مع الإعلامي مرسال غانم، في برنامجه الحواري كلام الناس، أول من أمس الخميس، من معطيات موثَّقة وسرد تسلسل للأحداث، يُظهر أنَّ التحقيق في هذا الملف لا يستقيم إلا من خلال معرفة ما يملك الوزير الجرَّاح من معطيات ومعلومات ووثائق، لأنَّه كان أكثر من وسيط وأكثر من ساعي خير، وله علاقة وطيدة بأبناء عرسال والجوار، ويعرف يوميات وتفاصيل ما حصل بالأسماء والوقائع.
***
الطريقة المثلى لفتح ملف عرسال تكون بالعودة إلى تاريخ تلك الأحداث، والإحاطة بظروفها وبالقوى التي كانت موجودة على الأرض في ذلك الحين، مع حجم قوتها وتوسع انتشارها. آب 2014 هو غير آب ،2017 ففي آب 2014 كان ميزان القوى على الأرض في الجرود وفي الحدود المشتركة، أحياناً، يميل لمصلحة مؤيدي النظام السوري وأحياناً لمصلحة معارضي النظام. وغالباً ما كان الجيش في حال بين كماشتين، فكانت مهمته في عرسال وجرودها من أصعب المهام على الإطلاق، لأنه يواجه بين مدنيين سواء أكانوا لبنانيين أم نازحين، وكانت أعداد النازحين تزيد بشكل مضطرد في ظل انقسام حاد في البلد جاءت ترجمته في عرسال وجرود عرسال:
جزء من السياسيين في البلد يقف إلى جانب النظام السوري، في مقابل جزء آخر يقف إلى جانب المعارضة السورية، الطرفان كانا يريدان للجيش اللبناني أن يقف إلى جانب كل منهما، فكانت أية خطة أو خطوة من الجيش اللبناني تُحسَب في ما إذا كانت مع هذا الطرف أو ذاك.
***
الوزير جمال الجرَّاح الذي كان معنياً بما يجري بحكم انه إبن المنطقة وأنه نائب عنها، بدا جريئاً في مقاربته للملف الذي لا يجرؤ أحد على الإقتراب منه لأنه ككرة النار، وهو يتمنى المباشرة بالتحقيق بطريقة جريئة لا تشوبها أية شائبة، ولذا فهو يقول:
أتمنى على المؤسسة العسكرية أن تبدأ بالتحقيق:
من العسكري الذي كان يقاتل وصولاً إلى مدير العمليات.
قائد الجيش العماد جان قهوجي، تصرف بكل حكمة ومسؤولية لأنَّه قدَّر حجم الخسائر على الأرض وحجم الفتنة التي ممكن أن تحصل، فلو حاول الجيش اللبناني التدخل لإنقاذ الجنود المختطفين في عرسال لكان سقط 500 قتيل مدني وقتل 150 جندي، لأنه كان يوجد 2800 مسلح إرهابي في البلدة.
***
هذا الكلام الكبير الذي يقوله شخص مسؤول، يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار عند أي تحقيق كي لا يتحول التحقيق إلى تمديد للمعركة ويتسبب بانقسام جديد.
بهذا المعنى فإنَّ كلام الوزير الجرَّاح يضع النقاط على الحروف ويرسم خارطة الطريق الصحيحة لمسار التحقيق.