اين اصبح الحوار المسيحي – المسيحي الذي كان من المفترض ان يؤدي بشكل او باخر الى تسهيل عملية الانتخابات الرئاسية، لاسيما ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سبق له ان اشار الى مثل هكذا مسعى لوقف التشنج السائد بين القيادات المارونية المعنية بهذا الاستحقاق، من غير ان يتحدد ما اذا كان هناك تجاوب مع رغبة بكركي في جمع الاقطاب المسيحيين «لان الاستمرار في ما هو حاصل لا يبشر بامكان اجراء الانتخابات الرئاسية» بقدر ما يوحي بان الفراغ الرئاسي قد يكون مخططا له من جانب من يهمه ان يستمر التباين قائما بين المعنيين مباشرة بالاستحقاق!
هل يعقل ان يستمر البطريرك الراعي في دعواته القيادات المارونية من غير ان يلبي طلبه من يفترض بهم التجاوب، اقله لان البلد اصبح من دون رأس والدولة فقدت ابرز رموز شرعيتها، ما يعني ان الاستمرار بمثل هذه الحال غير منطقي وغير مقبول، فيما هناك تلاعب بصلب الدستور الذي يقول ان الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس يجب ان تتم في حضور ثلثي النواب زائدا واحدا، ومن بعد ذلك يتم الانتخاب على اساس مشاركة نصف عدد النواب زائدا واحدا، الامر الذي لم يعمل به، اضافة الى ان مجلس النواب يعمل بصورة طبيعية، فيما يقول الدستور صراحة انه في غياب الانتخاب الرئاسي يصبح المجلس امام حال مقتصرة على انتخاب الرئيس ليس الا (…)
هل التزم مجلس النواب بمنطوق الدستور؟ المراجع الدستورية والقانونية ترى العكس، لاسيما عندما يقال ان الضرورة تحتم عقد جلسات تشريعية من غير ان يتوقف احد عما قصده الشرع من قوله انه «لا يجوز للمجلس القيام باي عمل خارج انتخاب الرئيس» اقله لافهام الرئاستين الثانية والثالثة ان المهام المرتبطة بهما معلقة الى حين انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا الاجتهاد لم يعمل به احد، كي لا يقال ان الفراغ في الرئاسة الاولى عمل غير جائز مهما اختلفت الاعتبارات السياسية، بدليل ما هو حاصل منذ سبعة اشهر على الفراغ الذي لم يعد يعني شيئا لاحد، ولا كان بحث في اجراء الانتخابات قياسا على الاجتهاد القائل ان «الامور سائرة وكأن لا حاجة الى رئيس جمهورية»!
صحيح ان العلة مارونية – مارونية، لكن الواقع يقول كما يقول المنطق ان من شأن الفراغ الرئاسي ان يوحي ان الحصة المسيحية «حال ترف» لا يتطلبها البلد طالما ان الامور العامة ماشية من خلال مجلس وزراء يقوم بالمهمة الرئاسية بالوكالة، فيما يعرف الجميع ان استقالة وزير واحد يؤدي الى تعليق السلطة، بل يلغيها من اساسها، الامر الذي يستدعي سؤال الوزراء الموارنة عما اذا كانوا مرتاحين الى الشغور الرئاسي لمجرد انه يثبتهم في مواقعهم التي هم فيها، ويجعلهم يتناسون رئيس الجمهورية ربما لانه لن يكون واحدا منهم؟!
السؤال مطروح على حزب الكتائب تحديدا، ليس لانه مرتاح الى وضعه الوزاري بعدما حاز على حصة الاسد، فيما يصعب عليه ان يكون له ثلاثة وزراء لو كانت الحال طبيعية، مع الاخذ في الاعتبار اعتراض الكتائب على المزاجية التي تطبع البحث في مشروع قانون الانتخابات النيابية، لانه يعطي الدروز نمطا معينا من التمايز عن غيرهم، وهذا مرشح لان يضرب صدقية مجلس الوزراء عندما يحين اوان بحث ومناقشة مشروع القانون، او هكذا يوحي كلام المكتب السياسي الكتائبي؟!
المهم ليس ما يريده حزب الكتائب او يقبل به مثله مثل سواه، بل ما هو في كل مجلس وزراء عن ضرورة الانصراف الى انتخاب رئيس للجمهورية وكأن ذلك يلبي الحاجة الى رئيس من غير ان يعني ان الدولة بلا رأس، حتى ولو كان المقصود بمجلس الوزراء تعدد الرؤوس التي تقوم بمهام رئيس الجمهورية بالوكالة، خصوصا ان القيادات المارونية لا تشير من قريب او من بعيد الى سلبيات الفراغ الرئاسي!
ترى مصادر مطلعة ان القوات اللبنانية اخطأت يوم اختارت عدم التوزير، حيث كان بوسع وزرائها نسف مجلس الوزراء من الداخل ووقف العمل السياسي الشائن بالوكالة الرئاسية، تمهيدا لاجراء انتخابات رئاسية وتجميد بقية النشاطات الرسمية التي تجري وكأن لا حاجة مطلقا لرئيس جمهورية والامر عينه ينطبق على البطريرك الراعي الذي لا يقارب موضوع الاستقالة مع انه يعرف الى اين ستؤدي، والادلة على كل ما تقدم تظهر الموارنة من دون ثقل ولا فاعلية باستثناء تقبلهم فكرة الوزير الموظف بحسب ما هو حاصل؟!