لم تعد تداعيات النزاع حول ملف شحن الدولارات الى الخارج محصورة في الجانب القانوني، بل قفزت الى الشارع الذي بات يتأثر بأزمة القضاء ويؤثر فيها، بعدما اتخذ النزاع بين المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة وخصومها بعداً سياسياً وشعبياً.
ما حصل في عوكر من مواجهة بين القوى الأمنية ومناصري القاضية غادة عون لم يمرّ مرور الكرام في قصر بعبدا. انزعج الرئيس ميشال عون من استعمال القوة الضاربة في «شعبة المعلومات» العنف ضدّ المتجمعين المنتمين في أغلبيتهم الى «التيار الوطني الحر»، وشعر انّ هناك حاجة إلى تدخّله شخصياً لمنع تكرار ما حصل ولحماية القاضية وجمهورها من محاولات الاستفراد بهما، لاسيما انّ رئيس الجمهورية متعاطف مع «حراك» المدّعية العامة في جبل لبنان.
وأثناء اجتماع، بعبدا شدّد عون على انّ المتظاهرين هم مدنيون ولم يكن تجوز معاملتهم بقوة، مبدياً تفهمّه وجع المواطنين وآلامهم، لاسيما وانّهم خسروا أموالهم وودائعهم، وطالباً من قوى الامن ضبط الأمن سلمياً وفقاً للأنظمة المرعية الإجراء. لكن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي لفت انتباه الرئيس الى انّ عدداً من المتظاهرين اعتدوا على قوى الأمن الداخلي، قائلاً له: «ليس هناك استهداف مقصود لمناصري القاضية غادة عون، ونحن نتعامل بطريقة واحدة مع أي إخلال بالامن من اقصى الجنوب الى أقصى الشمال».
وقال فهمي لـ»الجمهورية»، انّ «قوى الامن الداخلي ادّت واجبها في التصدّي لأعمال الشغب التي صدرت عن بعض الأشخاص، خلال التجمّع الداعم للقاضية عون في منطقة عوكر امس الأول».
ويلفت فهمي، الى انّ فرقة مكافحة الشغب تدخّلت بناء على اوامري، لمنع تطور الأمور على الأرض نحو الأسوأ، وللدفاع عن العناصر الأمنية التي تعرّضت للاعتداء. ويقول: «هذه كانت حدود مهمتنا، وهي لم تكن موجّهة بالتأكيد ضدّ القاضية عون ومؤيّديها، فنحن كوزارة داخلية وقوى أمن لا علاقة لنا بالتجاذب الحاصل داخل القضاء، ولسنا معنيين بالنزاع بين غادة عون وميشال مكتف، اللذين لا أعرف ايّاً منهما، بل ما يهمّنا حصراً حماية الانتظام العام ومنع الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة».
ويرفض فهمي ان يتمّ تدفيع القوى الأمنية ثمن الخلاف بين أجنحة القضاء، مضيفاً: «فليتفقوا على تكليف الضابطة العدلية بتطبيق قرار موحّد، ونحن كأمن سننفذ، اما ان تصبح هيبتنا مفرومة في «شوربة» القضاء، فهذا لن اسمح به ما دمت في موقع المسؤولية».
َ
ويوضح فهمي، انّه اعطى الأمر شخصياً الى المدير العام لقوى الأمن اللواء عماد عثمان، بإرسال قوة من مكافحة الشغب الى محيط شركة مكتف في عوكر لوقف التجاوزات من قِبل البعض، وقلت له: «انا شخصياً اتحمّل مسؤولية هذا القرار، لانّ هيبة الدولة على المحك ويجب التصرف».
ويعتبر فهمي، أنّ الشدّة التي اضطر رجال مكافحة الشغب الى استخدامها ضد قلة من المشاغبين أتت في إطار ردّ الفعل، للدفاع المشروع عن النفس، وليست لها أي أبعاد أخرى لا قمعية ولا سياسية، مؤكّداً الحرص على حرية التعبير والتظاهر، انما ضمن نطاق الأصول والقوانين المرعية الاجراء، ومنبّهاً الى انّ سوء التصرف قد يهدّد بتحويل القضية الرابحة خاسرة.
ويلفت فهمي، الى انّه مهني في سلوكه ومقارباته، «وهذا هو المعيار الوحيد الذي أعتمده في تعاملي مع كل الأمور والتحدّيات التي تواجهني، وبالتالي انا أتقيّد بما يفرضه عليّ القانون بعيداً من أي عواطف او حسابات شخصية».
ويقول: «انا وزير داخلية لكل لبنان، وأقف على مسافة واحدة من الجميع عندما يكون الأمر متعلقاً بالامن، بلا مراعاة لأحد».
ويشير فهمي الى انّه قريب على المستوى الشخصي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، «لكنني تعلّمت منه، هو تحديداً، وجوب عدم المسايرة أثناء تأدية الواجب». ويضيف: «عندما كنت ملازماً كان الجنرال عون قائد لوائي، وقد تتلمذت على يديه وتعلّمت منه انّه عند الخوض في اي مهمّة يجب تنفيذها بتجرّد، والبقاء على مسافة واحدة من الجميع. هذا ما كان يقوله لنا وهذا ما أفعله حالياً».
ويوضح، انّ «رئيس الجمهورية كان متفهماً لما طرحته خلال الاجتماع الامني امس في قصر بعبدا، وانا سأواصل تطبيق معادلة المواءمة بين حماية الاستقرار الذي لا مساومة عليه وضمان الحرّيات التي لا تنازل عنها».