«وزير دولة لشؤون مكافحة الفساد». كلمة كبيرة في بلد «يتنفّس» فسادا، تماما كوزير الدولة لشؤون حقوق الانسان في بقعة «تستثمر» يوميا انتهاك حقوق مواطنيها. يبدو نقولا تويني ابن الاشرفية جاهزا للمهمّة.
هو بالطبع من فريق «المصدومين» بخبر التوزير في وقت ينشط فيه على خط النيابة في بيروت الاولى منذ العام 2013. ورده اتصال تهنئة من القصر قبل أقل من ساعة «مبروك معاليك. وكن جاهزا لتسلّم أهمّ الوزارات»!
رجل الاعمال الأرثوذكسي البيروتي البورجوازي، ابن الرميل يقول: «الارثوذكسية كنيسة وليست طائفة. نحن طائفة علمانية». هو عوني بالانتماء السياسي ولو أنه لا يحمل بطاقة حزبية ولا ينتمي لـ «التيار»، لكنه من «المفضّلين» لدى الرئيس ميشال عون حين يبحث عن وجوه جديدة «آدمية» تساعده في «ورشة التنظيف» في بداية العهد.
ليس لدى رئيس «تجمّع عائلات بيروت» تصوّر واضح من اين يبدأ واين ينتهي حين يكون العنوان بحجم «مكافحة الفساد» ضمن وزارة أنشئت خصيصا لذلك. أقله هو يوحي بذلك لسائليه. كتوم بشكل مطلق في ما يتعلق بخطة العمل والصلاحيات، إن وجدت. السرّية، برأيه، مطلوبة في مهام نوعية كهذه. شعاره الاساس «المواءمة بين تصويب الاعوجاج وضرب الفساد لكن من دون ضرب الاقتصاد».
اين يقع مقرّ الوزارة؟ مَن الفريق المساعد في «المهمة المستحيلة» وعدده؟ ما هي هيكلية الوزارة؟ هل تكفي الاشهر القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية ليجلس ويفكر ويخطّط لمكافحة كبرى الآفات؟ أصلا كيف وأين «يبلّ» معاليه يديه في «جورة» الفساد؟ هل مِن الوزارات «الزميلة» نفسها؟ هل مِن الفساد الاداري الانتخابي القضائي، الصفقات، المشاريع الفضائحية، الدوائر العقارية، الاملاك البحرية، الكهرباء… هل ستشهد «ولايةُ» وزارةِ مكافحةِ الفسادِ وَضْعَ سياسيٍّ واحدٍ مِن الفاسدين في السجن؟
يصعب ايجاد أجوبة مباشرة وواضحة من الوزير نقولا تويني على هذه التساؤلات. يحرص على عدم إحداث «نقزة» لدى كل من يعتبر أن استحداث هذه الوزارة موجَّهٌ ضده. لا يريد ان يفتح «أبواب جهنم» عليه، كما ان ضمان فعالية الخطة، برأيه، يفترض عدم «كشفها» للرأي العام.
يقول «اول حصانة ضد الفساد هو المجتمع المدني بأخلاقياته العامة والديموقراطية، لأن الديكتاتوريات تُوَلِّد الفساد». وهل أيّد مسار الحراك المدني السابق؟ «نعم، لكن ما عدا التهجّم على الناس والدولة من دون وثائق وأدلة».
يريحه وجود ربّان للسفينة. «اليوم لدينا رئيس جمهورية، هو قامة وطنية، ورئيس حكومة. بهذا الجوّ فينا نشتغل»، وبالموجود، عبر تفعيل اجهزة الرقابة القائمة، والقضاء المالي وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. «طريقة الشغل» ستكون علمية عبر قوانين الاتحاد الاوروبي والقوانين اللبنانية. لا مجال للابتكار الآن، ولن ألجأ للاستعراضات الإعلامية. التوجّهات العامة يرسمها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء، وسألتزم بها، كما انني سأنسّق مع باقي الوزارات».
يُذَكِّر تويني بان لبنان ملتزم «بمعاهدة الامم المتحدة لمحاربة الفساد، وهناك قانون معجّل مكرّر لانشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد، واليوم بإمكاننا إقراره بعد انتخاب رئيس للجمهورية».
بمَن يمكن أن «يبلّ» معالي الوزير يديه أولا، خصوصا ان الطاقم السياسي، بمعظم وجوهه، مستنسخ ويحمل «جينات» العهود السابقة؟
يردّ تويني باقتضاب «هذه المواضيع تُتّخذ قرارات فيها بمجلس الوزراء، وليس انا شخصيا».
وزارة مكافحة الفساد «لن تكلّف الدولة قرشا واحدا»، يجزم تويني. كيف؟ لا جواب، مع إشارة الى ان فريق العمل سيضمّ متطوعين. «عنّا عقل واستراتيجية وطنية مسؤولة وواعية. سنعمل بمسؤولية، وسنؤسّس للاجيال القادمة إذ إن فترة عملنا ستكون قصيرة».
تويني الارثوذكسي هو الوزير الثاني من بيروت، بعد نقولا صحناوي الكاثوليكي، الذي يختاره ميشال عون، لكن هذه المرة من موقع الأخير كرئيس للجمهورية.
تجربة الصحناوي تحت سقف «قانون الستين» لم توصله الى ساحة النجمة، فهل يكون المقصود من توزير تويني القريب من رئيس الجمهورية ايجاد موطأ قدم رئاسية في الدائرة البيروتية الأولى التي قد تختبر قانون انتخاب جديدا ربما يقلب التحالفات السياسية رأسا على عقب بما في ذلك التحالف مع «القوات» صاحبة الترشيحات الجاهزة في بيروت وبينها مرشحها للمقعد الارثوذكسي عماد واكيم.
لا يدخل تويني في تعقيدات المشهد السياسي والانتخابي، لكنه يكتفي بالقول: «إن النيابة مطلب شعبي، وإذا القاعدة الناخبة أرادتني لن أتلكأ»، لكنه يجزم «لن اكون النائب الوزير أو الوزير النائب وسأطبّق الفصل على نفسي، ولن استخدم منصبي لغايات انتخابية. المناصب لا تعني لي شيئا، ومسيرتي دليل على ذلك».
هي مسيرة لم يكن يندرج فيها هكذا احتمال. على الأرجح، فإن شقيق معاليه كان ينتظرها أكثر منه وعلى أحر من الجمر!