IMLebanon

إسترداد الخلوي “يترنّح”: تمديد “مقنّع” لقوى “منجم الذهب”!

 

قبل أيام قليلة، وتحديداً في 30 نيسان الماضي، أعلن رئيس الحكومة حسان دياب أن “الدولة أصبحت تملك، لأول مرّة في تاريخها، خطة مالية مكتملة ومتكاملة، تنتهي بها وعبرها مرحلة التخبّط في سياسات مالية أوصلت البلد إلى حالة الانهيار الحالية”.

 

حينها، استغل دياب المناسبة ليعلن أيضاً أنّ “خريطة الطريق للتصحيح المالي، تأتي بعد أيام على قرار استرداد الدولة لقطاع الهاتف الخليوي، لنثبت أن الدولة يمكن أن تكون مديراً ناجحاً وليس بالضرورة أن تكون إدارة فاشلة”.

 

عملياً، تصرّف رئيس الحكومة وكأنّ قرار الاسترداد صار وراء الحكومة ويفترض أنّ وزير الاتصالات طلال حواط باشر الإجراءات القانونية لتنفيذ قرار الاسترداد، والتي تبدأ بإخطار الشركتين المشغلتين “زين” و”أوراسكوم” خطياً بمضمون القرار قبل التفاهم معهما على خريطة طريق التسليم والتسلم.

 

بالأساس، حين أطلق الوزير السابق فيصل كرامي تغريدته حاسماً الجدل حول مصير الشركتين المشغلتين بعد انتهاء عقديهما منذ أكثر من أربعة أشهر، لم تكن آلية الاسترداد مطروحة للنقاش أو موضع جدل، لأن القوى السياسية كانت تتعاطى مع المسألة على قاعدة التمديد أو استرداد الادارة. أما كيفية الاسترداد فبدت في تلك اللحظة محسومة. يكفي أن يبتّ وزير الاتصالات الأمر ليكون منتهياً.

 

سبق لهيئة التشريع والاستشارات أن أفتت في شباط الماضي، بأنه يتوجب على وزير الاتصالات أن يبادر وبشكل فوري إلى اتخاذ الاجراءات الإدارية والعملية لاستلام إدارة قطاع الخلوي. ورأت الهيئة أنّه يجوز لوزير الاتصالات أن يرفع كتاباً إلى مجلس الوزراء يقترح عليه: التمديد للشركتين المشغلتين، أو اجراء مناقصة أو مزايدة، على أن يقوم مجلس الوزراء باتخاذ القرار المناسب من الاقتراحات أو رفضها جميعاً وابقاء الإدارة على عاتق وزير الاتصالات بواسطة المديرية العامة للاستثمار والصيانة.

 

اذاً، صلاحية الاسترداد هي لوزير الاتصالات لتبدأ من بعدها صلاحية مجلس الوزراء في حسم الاتجاه.

 

قبلها، كانت لجنة الاعلام والاتصالات توصي في اليوم الأخير من العام الماضي “ببدء اجراءات استرجاع ادارة القطاع الى الدولة، على ان يتخذ وزير الاتصالات الاجراءات القانونية اللازمة بالتنسيق مع المراجع المختصة، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال من اجل حفظ حقوق الدولة وعدم وقوعها في أي مشكلة قانونية، واجراء عملية التسليم والتسلم، وبالتالي عند تأليف الحكومة العتيدة تقر استراتيجيتها لطريقة ادارة هذا القطاع واتخاذ الاجراءات اللازمة”.

 

ورغم ذلك كله، تضمن جدول أعمال مجلس الوزراء الذي سيعقد اليوم بنداً مثيراً للالتباس ينصّ على “طلب وزارة الاتصالات الموافقة على استرداد قطاع الخلوي”.

 

لم يفهم المعنيون الأسباب التي دفعت رئاسة مجلس الوزراء إلى ادراج هذا البند على جدول الأعمال خصوصاً وأنّ رئيس الحكومة أعلن بنفسه القرار، وهو المتأكد أنّ هذه الخطوة لا تحتاج الى العودة لمجلس الوزراء طالما أنّ مدة العقدين منتهية. وبالتالي العودة تكون، إما للتمديد وإما لإقرار دفتر الشروط تمهيداً لاجراء المناقصة.

 

الضغط مستمر

 

وبالتالي إنّ وضع هذا البند على جدول الأعمال، لا يراه بعض المتابعين إلا من باب الضغط السياسي لفرملة اجراءات الاسترداد. يقول هؤلاء إنّ القوى السياسية التي تشكل مظلة الحكومة، مقتنعة أنّ قرار الاسترداد لا بدّ منه. وحده رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لا يزال حتى اللحظة ممانعاً لخيار الاسترداد، خصوصاً وأنّ المعلومات تؤكد أنّه فوجئ بإعلان فيصل كرامي ولم يكن في مناخ هذا الخيار، حيث كانت المشاورات الحاصلة تصبّ في اتجاه واحد هو التمديد للشركتين المشغلتين، إلا أنّ كرامي وبالتشاور مع “حزب الله” حسم الجدل وقرر الذهاب نحو الاسترداد مهما كانت الكلفة المعنوية، وصعوبة التحدي. وهو لا يزال على موقفه.

 

ولهذا يعتقد المتابعون أنّ خطوة ادراج البند هي واحدة من أدوات الضغط التي يحاول “التيار الوطني الحر” استخدامها في سبيل تحسين موقفه وحماية مكتسباته في “منجم الذهب”، لا سيما وأنّ قرار الاسترداد متخذ، وبالتالي سيتعاطى مجلس الوزراء مع المسألة على نحو شكلي لا أكثر، وسينتقل الكباش إلى الترشيحات المطروحة لادارة شركتي “ميك 1″ و”ميك 2” في المرحلة الانتقالية… وهنا يخشى كثر من أن تكون المرحلة الانتقالية أشبه بتمديد مقنّع للمرحلة السابقة اذا ما أبقي على الوجوه ذاتها في الادارة.

 

وما يزيد من منسوب الالتباس هو مماطلة وزير الاتصالات في توجيه كتاب رسمي للشركتين المشغلتين يبلغهما فيه بدء عملية التسليم. ومع ذلك، يؤكد المتابعون أنّ رئيس الحكومة أبلغ أمس من راجعوه أنّه لا عودة عن قرار الاسترداد. كذلك فعل كرامي.

 

واذا كان للاسترداد مؤيدون يرون في هذا الخيار ممراً الزامياً لتحسين واردات الدولة واثباتها أنّها مدير ناجح، أسوة بما حصل على سبيل المثال في تجربة مواجهة جائحة “كورونا”، حيث برهن القطاع الصحي الحكومي أنّه على مستوى المسؤولية والمهمة التي أوكلت إليه بعدما جرى تجهيزه ومراقبته عن كثب… فإن له رافضين أيضاً يخشون من أن تدفع الخزينة العامة الثمن في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

 

الجراح: واردات الدولة ستنخفض الى النصف

 

الوزير السابق جمال الجراح لفت إلى أنّه في 24 نيسان من العام 2017 وجّه كتاباً حمل الرقم 1979/1/و إلى مجلس الوزراء يتضمن دفتر شروط جديداً لاطلاق مناقصة جديدة، أهم ما جاء فيه وضع المصاريف التشغيلية على عاتق الشركة المشغّلة ما قد يؤدي الى وفر في هذه النفقات، بعدما استثنى منها الرواتب والأجور حفاظاً على حقوق الموظفين كونها مسؤولية الدولة. إلا أنّ مجلس الوزراء فضّل التمديد للشركتين من دون البت بالدفتر. ثم عاد الوزير السابق محمد شقير ورفع دفتر الشروط معدلاً على نحو بسيط، ولم يبت به أيضاً.

 

ويشير إلى أنّ الحكومة تتجه إلى استرداد القطاع خلال مهلة الشهرين على أن تضع دفتر شروط وتنظم مناقصة عالمية، في حين تتطلب هذه العملية أكثر من مئة يوم في الظروف العادية، وهي قد تحتاج في هذه الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها الاقتصاد العالمي أكثر من ستة أشهر وقد لا نجد متحمسين من الشركات العالمية.

 

ولذا يرى أنّ الحل المنطقي يقضي بالتمديد للشركتين إلى حين الانتهاء من المناقصة وتسليم شركتين جديدتين من دون المرور بالدولة كمدير للقطاع لأنها مدير فاشل، مشيراً إلى أنّ الشركتين تستوفيان اليوم بالعملة المحلية فيما التزاماتها بالدولار، وبالتالي ثمة خسارة الفيْ ليرة بكل دولار. وهذا يعني أن واردات الدولة ستنخفض الى النصف، لافتاً إلى أنّ التحدي الأهم في هذا السياق هو الحفاظ على حقوق الموظفين ومكتسباتهم.