في الأسابيع الماضية، حقق وزير الاقتصاد رائد خوري شعبية لافتة، نتيجة قراره (ولو المتأخر) تنظيم عمل مولدات الكهرباء. لكن يبدو أن خوري قرر اختتام ولايته الوزارية بسابقة الادعاء على رئيس الاتحاد العمالي العام، على خلفية سجال نشب بينهما، أثناء مشاركتهما في برنامج حواري على التلفزيون مباشرة. القضية هنا تأخذ أبعاداً خطيرة. فبصرف النظر عن هوية رئيس الاتحاد، وعن شخصية بشارة الأسمر ودوره وصلاته بأركان الطبقة الحاكمة، وبعيداً عن كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى أدائه، إلا أن موقع رئيس الاتحاد العمالي العام ينبغي أن يحظى بحصانة معنوية، تفوق إن لم تكن تساوي الحصانة النيابية، لكونه يمثّل الشريحة الأضعف في لبنان، ومنصبه يفرض عليه الدفاع عن حقوق العمال، ومقارعة السلطة بشتى الوسائل. وأبسط تلك الوسائل، الهجوم الكلامي على شاغلي المناصب الرسمية. وبالتالي، كان على خوري أن يعي أنه لا يحق له اللجوء إلى الادعاء على رئيس الاتحاد العمال العام، رغم أن القانون الجائر والمتخلف يتيح له ذلك. أمر آخر لا يقلّ خطورة عن الأول، يتمثّل في أن خوري، وهو شخصية تدّعي الليبرالية منهجاً في الحياة والاقتصاد، ينسف بفعلته هذه أسس فكرة المناظرة العامة، على شاشات التلفزيون، وما تمثّله في الأنظمة التي تسمي نفسها ديمقراطية. كذلك فإنه يحظى بحصانة في مجال عمله، ما يعني أن أي معركة معه غير متكافئة، لكونه سيدخل أي مناظرة، شاهراً درع الحصانة في وجه خصمه، وسيف استخدام القانون الرجعي، ما يسلب «الفريق الآخر» حق توجيه نقد قاسٍ إليه.
قضية استدعاء مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لرئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، على خلفية شكوى الخوري، تفاعلت أمس. فرئيس الاتحاد قرر عدم الحضور بسبب «طريقة الاستدعاء المعيبة»، لكون المتّصل لم يُبلغه إلا بأنّ عليه أن يمثل للتحقيق معه بتمام العاشرة صباح اليوم. كذلك فإنّ رجل الأمن المتّصل به لم يخبره بمضمون الشكوى أو الجهة المدّعية. إزاء ذلك، عقد المكتب التنفيذي للاتحاد العمّالي العام في لبنان اجتماعاً استثنائياً، ليُصدر بياناً يستنكر فيه «تشويه سمعة رئيس الاتحاد واستدعاءه إلى التحقيق في مكتب جرائم المعلوماتية الذي لا يملك حق استدعاء أي مواطن بسبب تصريح أو موقف… فكيف إذا كان هذا المواطن رئيس الاتحاد العمّالي العام؟». غير أنّ وكيل وزير الاقتصاد، المحامي إبراهيم سمراني، ردّ على بيان الاتحاد في تصريح لموقع الـ LBCI، بأنّ «الشكوى المقدمة من الوزير رائد خوري ضد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر شخصية، ولا دخل للاتحاد العمالي العام بهذا الموضوع». وقال إن الشكوى بجرم القدح والذم والتشهير أتت «على خلفية الحلقة التلفزيونية التي بُثت بتاريخ 6/12/2018 ضمن برنامج «صار الوقت» على قناة «أم تي في»، وقُدِّمت بتاريخ 26/12، وأخذت مسارها القانوني الطبيعي بعدما أُحيلت من النيابة العامة على قسم المباحث الجنائية الخاصة – مكتب المعلوماتية». علماً بأنّ الخلاف بين الأسمر والخوري بدأ بعد معارضة رئيس الاتحاد لقرار تشريع المولدات ولقيامه بالطعن أمام مجلس شورى الدولة ليتطوّر خلال الحلقة التلفزيونية التي شارك فيها رئيس الاتحاد والوزير، واتّهم فيها خوري الأسمر بعدم القيام بعمله في عقد الخدمة الموقع مع مصلحة الأهراءات. أما الأسمر، فاتهم خوري بإصدار قرار إلزام أصحاب المولدات الكهربائية باستخدام العدادات ربطاً بصفقة تجارية.
وعلّق الأسمر على الشكوى، قائلاً: «ما علاقة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لاستدعائي للتحقيق معي؟ بالتأكيد سأرفض المثول. أنا أُمثّل عمّال لبنان. الهيئة الأكثر تمثيلاً». رئيس الاتحاد قال لـ«الأخبار»: «أنا لم أتعرّض للوزير بالتشهير! التشهير طاولني أنا وليس هو… أنا من تضررت سمعته عندما اتّهمني زوراً باتهامات واهية قبل أن يثبت عكس ادعاءاته». وأضاف الأسمر: «لقد تعرّضت لحملة تشهير هو بدأها والحلقة التلفزيونية مسجّلة يمكن العودة إليها». أضاف الأسمر: «في التوقيت المقرر لمثولي أمام مكتب جرائم المعلوماتية سأعقد مؤتمراً صحافياً أطالب فيه بحصانة نقابية للحؤول دون ملاحقة النقابيين وابتزازهم». كذلك خلُص الاتحاد العمّالي العام إلى إعلان توجهه لتقديم شكوى فورية إلى لجنة الحريات في منظمتي العمل العربية والدولية والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب. وحدد يومي انعقاد القمة الاقتصادية العربية في بيروت موعداً للقيام باحتجاجات واعتصامات أمام مقر الاجتماع رفضاً للقمع. ودعا أعضاء المجلس إلى التجمّع في مقرّ الاتحاد العمّالي العام اليوم ابتداءً من الساعة العاشرة والنصف صباحاً لاتخاذ الموقف قبل عقد الأسمر مؤتمراً صحافياً.