الفساد في لبنان مستشرٍ على معظم الصعد.
الناس يعرفون ذلك.
ومعظمهم يشكون من شيوعه.
والسلطة عادة تتسلط على الناس.
وبعضها يمعن في تسلطه.
والقليلون، منهم، إما صامتون،
أو يجرؤون على الشكوى والاحتجاج.
أما أن يجلس وزير في الحكم، ويتحدث عن الفساد والفاسدين، ويشكو بنفسه من تسلط الفاسدين، ويتحدث عن محاربتهم فهذا ذروة الشكوى، وقمة الاحتجاج.
وهذا ما فعله الوزير الياس بوصعب مساء أمس الأول، من على الشاشة الصغيرة.
تحبه أو لا تحبه.
تكون معجباً بانتمائه السياسي أو مغايراً له، فإن الحكم له أو عليه، يعود الى مراسه في العمل، ومرتبط أساساً بما فعله وحققه قرابة العامين، في حقيبة وزارية، هي الأكثر التصاقاً بالناس.
والمراقب يخلص بعد سماعه، الى تسميته من دون غضاضة ب وزير الاصلاح التربوي.
وليس في لبنان، بلد العلم ومهد الثقافات وراعي المعارف، حقيبة تتعهد المواطن والوطن، من اليوم الذي يدخل فيه الانسان محراب الدرس والتعليم.
ويكفي لبنان أن يكون فيه حقيبة للعلم والثقافة والمعرفة.
والا أي بلد يكون هذا اللبنان اذا كان تجهيل الحقائق، وجهل الوقائع من سمات الحاكمين؟
***
الأهمية في حديث الوزير، أنه تحدث عن الفاسدين، ولم يجرح أحداً منهم، بانتظار أن يقول القضاء كلمته فيهم.
لكنه أورد بتواضع جم، وعقل راشد ما فعلوه تخريباً في التربية، ووضع النقاط على الحروف، عندما تحدث عن الفساد في الامتحانات الرسمية، وأمعن في وصف مخالفات لا يصح لأحد أن يدافع عن روّاد الأخطاء والمفاسد.
وبعد ذلك، هل يسأل أحد عن أسباب التراجع في بلد العلم، حيث العلم أضحى في خبر كان.
كان الياس بوصعب، الآتي الى وزارة التربية، عالماً أكثر منه وزيراً. فهو نائب رئيس الجامعة الأميركية في دبي وجعل من درة الإمارات العربية في جوار بلد ناطحات السحاب، ناطحة سحاب شاهقة، جمالاً، وعصرنة، وأبراجاً، ويريد أن يجعل من وزارة التربية، برجاً شامخاً في وطن العلم، كما أصبحت الأبراج في إمارة دبي، مجموعة صروح وحضارات.
وتحية الى الوزير بوصعب، ابن ضهور الشوير، الذي لم يتحدث عما هو قاتم وفاسد في وزارته، بل أهاب بالسلطة ألا تتسلط على أحد، وأن تنصف المعلم والمعلمين بإقرار سلسلة الرتب والرواتب لأن ثمة أساتذة يدفعون من جيوبهم أثمان ذهابهم الى مدارسهم لتصحيح المسابقات.
وهذا يؤكد أن ليس مطلوباً أن يقف الاستاذ الى يسار طالب العلم أو عن يمينه بغية تعميم الانصاف، بل في قلب المعاناة، ليصبح لبنان وطن النجوم كما أراد الشاعر العربي ايليا أبو ماضي.
***
لم يكن الياس بوصعب، جبران خليل جبران في نقده، ولا رديفاً لمخائيل نعيمة في مرداده، بل كان جبران ونعيمة وأمين نخله وصلاح لبكي وسعيد فريحه، في اطلاق ورشة الاصلاح في دولة تغتالها يومياً نوازع الفساد، ولم تغبْ عنها وجوه مارون عبود وسعيد عقل وميشال شيحا.
وليس ايراد بعض الكبار في هذه العجالة، الا لأن الياس بوصعب جعل من نفسه أحد الرواد، لا مجرد وزير حمّلوه حقيبة يندر أن تجد مثله في فهم أبعاد رسالتها العلمية والانسانية. –