IMLebanon

المداورة في التعطيل

 

 

أصدر وزير المالية يوسف الخليل عشية الفصح، بياناً أعلن فيه «عدم توقيع مرسوم تشكيلات محاكم التمييز، كونه يتضمن أخطاء أساسية، ‏من شأن التوقيع عليه أن يخلق سابقة، لبنان بغنى عنها».

 

لم يوضح أكثر من ذلك. اعتصم بحبل مرجعيته وتحصن بانتظار تذليل العقبات.

 

أما كيف ومتى ومن سيتولى عملية التذليل، المسألة ليست من اختصاص الوزير. أو بعبارة أدق، سيبقى المرسوم معلقاً حتى يصدر أولياء الأمر قرارهم بشأنه، او حتى يتم تعديله بما يضمن لهم مصالحهم. وقد يتولى تبليغه حصيلة التبحر في تفادي السوابق، قريباه الخليلان الشهيران، فيبادر إلى فك أسر التوقيع… وإلا لا تشكيلات ولا محاكم ولا قضاء فقط لأن لبنان بغنى عن سابقة جديدة يمكن المقايضة بها او بغيرها في إطار المداورة في التعطيل، بعد استعصاء المداورة في وزارة المال، لتبقى هويتها الطائفية محمية وتبقى خليلية حتى إشعار آخر.

 

وهكذا، بعد عامين على تعطيل رئيس الجمهورية ميشال عون للتشكيلات القضائية الشاملة، والذي أدى إلى استنزاف المؤسسة وإحداث فراغ في المراكز الحساسة، وبعد أن كان عطل انتخابات رئاسة الجمهورية ليصل إلى قصر بعبدا، وبعدما حطم صهره أرقام موسوعة غينيس لتحقيق مبتغاه من خلال تعطيل تشكيل الحكومات، يأتي دور من يتهمهم فخامته بأنهم هم المعطلون، نافياً وجود خطأ أساسي في المرسوم، ومنبهاً الى وجود عرقلة، و… «يجب أن تعلموا من يعرقل، فليتوقفوا عن الكذب عليكم».

 

وبالطبع لا تحول الاتهامات بالفساد وبغيره دون تحالف «العهد القوي» مع المتهمين بغية ضمان استمرارية الصهر وبكتلة نيابية وازنة في جنة السلطة جنباً الى جنب وإياهم، ومقاسمتهم الغنائم مداورة سواءً بالتوافق أو بالتعطيل.

 

ذلك أن المصلحة فوق كل اعتبار. والمصلحة تقتضي الانخراط في اللعبة، ولكن بأسلوب اوريجنال، لا يتوانى عن تبرير تلبية استدعاءات الباب العالي، الذي ينفذ الاجندة الإيرانية، واعتبار الأمر واجباً وطنياً للتواصل مع «مكوِّن لبناني مذهبي وسياسي أساسي، ينبغي التفاهم معه على العناوين الإشكالية». وكذلك لا يحول التمنع عن التوقيع دون هذه التحالفات. المهم ان يعكس الكلام المقتضب حرصاً ما بعده حرص وغيرةً على البلد الذي لم تهتز صيغته بجريمة تفجير المرفأ، بعد، والذي لم تلوثه الأخطاء الأساسية في السياسة والقضاء والمال والاقتصاد والكهرباء والمياه والتربية وسواها.

 

وكله في السليم، ما دام هناك من يتصدى لأي خلل يدنس الميثاقية وينال من التوازن الطائفي في مرسوم وافقت عليه السلطة التنفيذية مجتمعة في مجلس الوزراء، مع أن دور وزير المالية في هذا الصدد هو تقني إجرائي.

 

لكن للضرورة أحكامها التي تفرض على من يتولى هذه الحقيبة تناسي أصل وظيفته وسيرته المهنية وخبرته وتحصيله العلمي الرفيع، والالتزام فقط بما يمليه عليه من وظفه حتى لا تبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها، وتوحّد السلاح والقرار، وتنفذ قرارات مجلس الأمن، وتعتمد مبدأ تعزيز علاقات لبنان مع محيطه العربي، وتصادر السلاح غير الشرعي الذي يعتدي على هذا المحيط.

 

ويبدو أن تعطيل القضاء يدخل في إطار الالتزام من أجل حماية المحاصصة الطائفية لأولياء الأمر. ولا علاقة للأخطاء والقوانين بالتمنع عن التوقيع، والعلة ليست في سابقة لبنان بغنى عنها، ولكن تحديداً لأن أولياء الأمر هؤلاء ومعهم من يخاصمون ويحالفون في الوقت ذاته، هم أصحاب السوابق وبامتياز.

 

وخلاص لبنان لا يكون الا عندما يصبح بغنى عنهم كلهم من دون استثناء.