في الدول عادةً، وزراء المال غير محبوبين لأنَّ أسماءهم غالباً ما تكون مرتبطة بالضرائب وبسائر الإجراءات المالية، لكنَّ الإستثناءات في هذا المجال تبرز حين يكون وزير المال قد اتَّخذ القرار الشجاع بوضع حدٍّ لرجال مافيات الفساد المالي والعقاري والجمركي، والذين يمصُّون دم الخزينة وجيوب الناس، فيُحقِّقون الغِنى ويتسببون في إفقار الآخرين وإفراغ الخزينة وإفلاس الدولة.
من هؤلاء وزير المال الحالي علي حسن خليل، حافظ خزينة الدولة ومُعيناً لها في مواجهة حيتان الفساد.
ولأنَّ المسألة تحتاج الى جرأة، ولأنَّ رجال المافيا ليسوا جبناء على الإطلاق، فقد قرَّر وزير المال علي حسن خليل مواجهتهم في عقر دارهم سواء في المطار أو في المرفأ أو على المعابر الحدودية وصولاً حتَّى إلى مكاتبهم في إدارات الدولة.
يسير وزير المال في حقلٍ من الألغام، يعرف أنَّ مهمته صعبة وقد تلامس الإستحالة، لكنَّه قرَّر خوض غمارها لأنَّ أحداً يجب أن يوقف هذا النزيف، وهو قرر أن يكون هذا الأحد الذي يقف في وجه الفساد.
لم تكن البداية، لكنَّها كانت الخطوة الأجرأ. الوزير خليل أعطى الضوء الأخضر لمدير عام الجمارك لإجراء مناقلات في صفوف الضابطة الجمركية، شملت نحو ثمانمئة من الرتباء والأفراد التابعين لجميع الوحدات الجمركية، هذه النفضة التي هي أقرب إلى العملية الثورية داخل الجمارك والتي لم تشهد لها مثيلاً، فهي المرة الأولى التي تحصل فيها بهذا الحجم. أكثر من ذلك، فإنَّ المعلومات من داخل وزارة المال تُبشِّر بأنَّه ستلي هذه التشكيلات مناقلات أخرى الأرجح أنها ستطال الجانبين الإداري والعسكري في الجمارك.
ينطلق وزير المال في عملية الإصلاح من الجمارك لأنَّ الوضع في المرفأ وفي المطار لم يعُد يُطاق، ومن عيِّنات الفساد في هذين المرفقين، أنَّه في مطار بيروت هناك سكة تهريب للسلعتين الأكثر إستهلاكاً:
الأدوية والهواتف الخليوية، فبالنسبة إلى الأدوية هناك شبكة تمتدُّ من الهند إلى بيروت مروراً بأحد مرافئ الخليج، وهي تتولى استيراد الأدوية غير المطابقة، سواء منتهية الصلاحية أو المزوّرة.
ولا يقتصر الأمر على هذه الأدوية بل هناك ما هو رائج ويتعلَّق بأعشاب التنحيف وما شابه، حيث يتمُّ استيرادها بالأطنان ويُصار الى توضيبها في لبنان وبيعها في الأسواق وبعض الصيدليات على أنَّها علاجات.
أما النوع الثاني، فهو الأجهزة الخليوية واللوحية المزوَّرة في الصين، والمستوردة إلى لبنان على أنها أصلية ومن بلد المنشأ.
هذه المعاصي قرر وزير المال أن يضع حداً لها ليس من وراء مكتبه فحسب، بل عبر النزول على الأرض حيث يقوم بكبسات سواء في المطار أو في المرفأ، ليتفادى التقارير الخاطئة التي تُرفَع إليه. ومن الميداني إلى المكننة التي لا مفر منها والتي من شأنها أن تضع حداً للفلتان ولعدم التنيسق، وفي هذا الصدد سيُصار إلى استحداث نظام إلكتروني يربط بين إدارة الجمارك ومديرية الواردات ومديرية الضريبة على القيمة المضافة، لوضع حدٍّ للمخالفات والتهرب الضريبي.
يُدرِك الوزير خليل أنَّ معركته هذه يجب أن يكون المواطن في خضمِّها لأنها تطاله شخصياً، لذا فإنَّ جميع اللبنانيين يجب أن يكونوا معنيين بمعركة المواجهة هذه، فيخرجون عن صمتهم حيال ما يشاهدونه بأُمِّ العين من مخالفات، والوزير خليل مكتبه مفتوح وهاتفه مفتوح لمعرفة الحقائق من مكتشفيها.