لكي تعرف لماذا قاطع جبران باسيل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة عليك أن تعرف لماذا امتنع باسيل عن تأييد قراري الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي بإدانة ايران بعد احراق السفارة والقنصلية السعوديتين. فالسبب واحد. إنه يطبّق “سياسة خارجية” يرسمها “حزب الله“، الذي دأب منذ 2006 على مهاجمة بان كي – مون بعد كل تقرير يرفعه الى مجلس الأمن عن مستوى التقدّم في تنفيذ القرار1701. وبات معروفاً أن ما خسره “حزب الله“، وما خسرته ايران، بتجميد الصراع الحدودي مع اسرائيل، ما لبثا أن عوّضاه بوضع اليد على الداخل اللبناني.
كانت لزيارة بان كي – مون رمزية التذكير بأن ثمة “دولة” في لبنان لا تزال معترفاً بها دولياً، وهذا أمر مزعج لـ “حزب الله” وأتباعه، لذلك تمّ توجيه باسيل للتعامل مع بان على أنه “موظف” لا يستحق أن يستقبله وزير بهذه العظمة والفخامة، بل تمّ توجيهه لإشعار بان بأن من يتعاطى معهم، بمن فيهم رئيسا المجلس والحكومة، ليسوا السلطة الفعلية في البلد. والحال أن المنظمة الدولية حائرة منذ أعوام بهذه “السلطة الفعلية” التي تتمحور اجتهاداتها على وضع كل الحواجز أمام اي مساعدة للبنان، من دون أن توفّر بدائل، على رغم أن وزيرها يحضر المؤتمرات الدولية ليطالب بهذه المساعدة، خصوصاً في ما يتعلّق بعبء اللاجئين السوريين. وإذا بباسيل يعلّق، كمراقب، على محادثات بان كي – مون، ليفصح بأن المساعدة المرجوّة هي إخراج اللاجئين وكأنه يجهل سبب وجودهم في لبنان ومساهمة حليفه “حزب الله” في تهجيرهم، وكذلك ليدفع ديماغوجيته الى اقصاها برفض “التوطين” وكأن بان مخوّلٌ البحث في مشاريع كهذه.
هذا وزير خارجية لم يعد قابلاً لـ “تصدير” أو لتمثيل البلد. لا ينفكّ يفتعل مشاكل مع الخارج، خصوصاً مع العالم العربي، ولا يريد أن يحلّها، مع افتراض أنه مؤهل لحلّها. يمثّل سلوك باسيل نموذجاً للوزير الملتصق بـ“مرجعيته” /”حزب الله“، المسترشد بتوجيهاتها، ويكاد يصبح كمنسوبيها من وزراء أو موظّفين غير مرغوب فيهم في أي محفل عربي أو دولي. والمفارقة أنه قد يكون وزير الخارجية الوحيد في العالم الذي يتمتّع بمعوّقَين يعتقدهما ميزتَين، فهو أولاً يُخضع عمله الخارجي لمصالح داخلية، وهو ثانياً يهجس بتحصيل مزيد من العزلة لبلده، ليس فقط لافتقاده حسّ رجل الدولة ونباهة الديبلوماسية بل لفائض في التزامه “تصدير الثورة“!
حتى محمد جواد ظريف لا يذهب الى هذا الحدّ، بل يعمل على اخراج ايران من خانة البلد المشتبه فيه والمُختزَل دولياً وعربياً بالمرشد و“الحرس الثوري” و“الباسيج“. أكثر ايرانية من ظريف، يعمل باسيل “وزيراً” في خدمة “حزب الله” الذي يتفاقم نبذه وعزله خليجياً وعربياً الى حدّ يضع متعاطفين معه وغير ملطخة أيديهم بالدماء العربية تحت الشبهات.