قال مصدر قضائي لبناني، إن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري وضع السلطة القضائية في موقعٍ لا تحسد عليه، إذ لم يكتف بإقناع مجلس القضاء الأعلى بتعيين محقق عدلي رديف في جريمة انفجار مرفأ بيروت، لتسند إليه مهمّة إخلاء سبيل الموقوفين والبتّ بالدفوع الشكليّة فحسب، بل ضيّق هامش الخيارات أمام المجلس، بعدما اقترح عليه تعيين القاضية سمرندا نصّار دون سواها لهذه المهمّة، وهو ما شكّل إحراجاً كبيراً لرأس الهرم القضائي، باعتبار أن نصّار وبمعزل عن كفاءتها، معروفة بقربها من «التيار الوطني الحرّ»، وهي عيّنت بمركز قاضي التحقيق الأول في الشمال بمباركة وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي، أحد أبرز مستشاري الرئيس ميشال عون.
وأخفق مجلس القضاء الأعلى خلال جلسته التي عقدها أول من أمس (الثلاثاء) في الخروج بموقف موحّد على تسمية نصّار؛ ما اضطره إلى تأجيل الجلسة إلى الثلاثاء المقبل لاستكمال النقاش، وإحالة الأمر على التصويت إذا ما تعذّر التوافق، وجزم مصدر قضائي بأن «الذهاب إلى التصويت يعني أن الأغلبية ستؤيد تعيينها لهذه المهمّة». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن وزير العدل «اقترح اسم القاضية نصّار فقط، رغم أن مجلس القضاء طلب منه تسمية ثلاثة قضاة لاختيار أحدهم»، وعزا السبب إلى أن «كل القضاة الذين استشارهم وزير العدل لرفع أسمائهم لمجلس القضاء اعتذروا عن هذه المهمّة».
التطورات القضائية المتسارعة بملفّ المرفأ، تأتي انعكاساً للقرار السياسي المتخذ سلفاً، وترجمة عملية لتوافق ضمني بين التيار الوطني الحرّ والثنائي الشيعي، وتحدّث المصدر القضائي عن «توجه لدى القضاة الشيعة والمسيحيين في مجلس القضاء لتسمية نصّار، وسط معارضة اثنين فقط هما رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود والعضو الدرزي القاضي عفيف الحكيم، فيما يبقى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات خارج التصويت، لكونه متنحياً عن ملفّ المرفأ منذ بداية التحقيقات، بسبب صلة القرابة التي تجمعه بوزير الأشغال الأسبق والنائب الحالي غازي زعيتر».
ويسعى وزير العدل للتقليل من تداعيات ما يحصل على الواقع القضائي، وعلاقة الوزارة بالسلطة القضائية، واعترف مصدر مسؤول في وزارة العدل بأن الوزير هنري خوري رفع اسم القاضية سمرندا نصّار بمفردها إلى مجلس القضاء، واعتبر أن الأمر «لا يشكل مخالفة قانونية». وقال «من حق وزير العدل أن يختار الاسم المناسب، ومن حق مجلس القضاء أن يقبل أو يرفض هذه التسمية». وأقرّ المصدر لـ«الشرق الأوسط»، بأن «جميع القضاة الذين استشارهم وزير العدل لتكليف أحدهم كمحقق عدلي رديف رفضوا تسميتهم». وعزا السبب لأن بعضهم رفض مبدأ تعيين محقق عدلي رديف من الأساس، والبعض الآخر اعتبر أن وظيفة محقق رديف لا تليق به وبتاريخه القضائي، ومنهم من آثر ألّا يضع نفسه بمواجهة أهالي ضحايا انفجار المرفأ، وألّا يكون عرضة للمضايقة مع أفراد عائلته ويحاصر منزله بشكل دائم»، مشيراً إلى أن «الحملات الإعلامية والسياسية أثرت في قناعات القضاة». وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة، أن القضاة الذين رفضوا هذه المهمّة هم «رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان القاضي إيلي الحلو، رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان القاضي ربيع الحسامي، قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع، رئيس محكمة الجنايات في البقاع القاضي مارون أبو جودة، ورئيس محكمة الاستئناف في الشمال القاضي فادي العنيسي». وأفادت المعلومات، بأن وزير العدل «فضّل هؤلاء القضاة لأنهم يتمتعون بالمعايير التي وضعها مجلس القضاء الأعلى لاختيار القاضي الذي يتولّى هذه المهمّة الحساسة، وأن يكون متمرساً في القضاء الجزائي».
ورغم الاقتراب من صدور قرار تعيين المحقق الجديد، لا يزال الغموض يلفّ مهمته، وكيف سيتمكّن من البدء بعمله، في ظلّ عدم اعتراف القاضي طارق البيطار بالمحقق الجديد ورفضه المسبق تسليمه الملفّ، إلا أن مصادر مواكبة للقضية أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن المحقق الجديد «قد يباشر مهمته دون الاحتكاك بالقاضي البيطار ودون الحاجة إلى الملف الذي بمتناوله». وتوقّع أن يستعين القاضي الذي سيعيّن قريباً ببعض المستندات الموجودة لدى النيابة العامة التمييزية ولدى الضابطة العدلية (الأجهزة الأمنية)، وعندها يبدأ تسلّم طلبات إخلاء السبيل التي سيتقدّم بها وكلاء الدفاع عن الموقوفين ويبتّ بها قبولاً أو رفضاً».
وعمّا إذا كان بإمكان فريق الادعاء الشخصي أن يتقدّم بدعوى ردّ المحقق الجديد ويعطّل مهمته، رأت المصادر أن الأمر «يتوقف على ما إذا كانت المحكمة التي ستقدّم أمامها دعوى الردّ ستسارع إلى تبليغ المحقق الرديف أم لا، فإذا أبلغته فوراً يتوقف عمله، أما إذا ارتأت تأخير تبليغه إلى ما بعد البت بإخلاء سبيل الموقوفين، تكون حينها المهمّة قد أنجزت، وعندها لا قيمة لدعاوى الردّ، سواء قبلت أو رفضت، لأن ما يهمّ المعنيين بسابقة تعيين المحقق الرديف، هو إطلاق سراح الموقوفين أولاً وأخيراً».