نصّت المادة الخامسة المعدّلة من قانون القضاء العدلي، الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 150/1983 تاريخ 16/9/1983، أنّه وبحال أصرّ مجلس القضاء الأعلى على مشروع المناقلات والتشكيلات بأكثرّية سبعة أعضاء من أصل عشرة، رغم تحفّظات معالي وزيرة العدل، تُصبح هذه التشكيلات نهائية ومُلزمة. على أن تصدر بمرسوم بناءً على إقتراح وزير العدل.
بالتالي، كان يقتضي على وزيرة العدل توقيع هذا المرسوم كما ورد إليها وإحالته إلى جانب معالي وزيرة الدّفاع، ثم وزير المالية، فرئيس الحكومة، وصولاً إلى رئيس الجمهورية.
والسؤال المطروح، هل يحّق لمعالي وزيرة العدل تجزئة المرسوم دستوراً بحجة الدفاع عن حقوق معالي وزيرة الدفاع؟
لمّا كان من الثابت، أنّ التشكيلات القضائية قد باتت نهائية ومُلزمة، نتيجة إصرار جانب مجلس القضاء الأعلى عليها، بأكثرية موصوفة.
ولمّا كان من الثابت، أنّ التشكيلات والمومأ إليها أعلاه، تصدر بمرسوم عادي، عملاً بأحكام المادة /54/ من الدستور اللبناني.
ولمّا كان من الثابت، أنّ المادة /54/ من الدستور اللبناني قد نصّت حرفيّاً: «مُقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصّون…».
ولمّا كان ذلك يُفيد، انّ جانب معالي وزيرة العدل مُلزَمة بالتوقيع على المرسوم كما ورد إليها من مجلس القضاء الأعلى، ولاسيما أنّ نصّ المادة /54/ من الدستور، فرض عليها ذلك، بإيراده عبارة «يجب».
ولمّا كان من الثابت، أنّ توقيع الوزير يُعتبر شرطًا جوهريّاً لصدور المرسوم، وليس إجراءً شكليّاً على الإطلاق (قرار جانب مجلس شورى الدولة تاريخ 16/11/1995 منشور في مجلة القضاء الإداري لعام /1996/).
مما يُفيد، أنّ جانب معالي وزيرة العدل مُلزَمة بالتوقيع على المرسوم كما وردها، وعدم تجزئته، تحت أي حجة على الأطلاق. كذلك ما صرّحت به معالي الوزيرة لجهة قبولها التوقيع مع التحفظ، لا يستقيم دستوراً، كون التوقيع لا يجب أن يُربط بأي قيد أم شرط .
مما يطرح السؤال: كيف يُفسَّرْ إقدام معالي الوزيرة على تجزئة المرسوم؟.
بالعودة إلى أحكام الدستور،ولاسيما نصّ المادة /54/ منه، يتبيّن جليّاً، أنّ صلاحية إصدار المراسيم العادية (المُقرّرات) تعود حصراً لرئيس الدولة. وبالتالي، لا يحّق لأي وزير أن يحتجز أي مرسوم لديه أم في أدراج وزارته، أو أن يجزءه، كَوْنَ ذلك يُعتبر تعطيلاً لصلاحيات رئيس الجمهورية، وتعدّياً عليها.
فرئيس الجمهورية هو مَن يملك الحق في إصدار المرسوم من عَدَمِهِ، وعلى سبيل المثال، سبق وأن إمتنع الرئيس إميل لحّود في شهر تشرين الأول من عام /2006/ عن التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية. لكن بعد أن كان المرسوم قد وَصَلَه، وهو مَنْ إتّخذ القرار بإعدامه.
وبالتالي، إنّ تجزئة جانب معالي وزيرة العدل مرسوم التشكيلات (مع الإحترام الشخصي لها)، يجعلها مُعرّضة للمُلاحقة بمُقتضى المادة /70/ من الدستور اللبناني، التي تنُصّ: «لمجلس النوّاب ان يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء… بإخلالهم بالواجبات المُترتّبة عليهم….».
مما يُفيد، إنّ ما أقدمت عليه جانب معالي وزيرة العدل، يُعتبر، إضافةً إلى كونه تعطيلاً لصلاحيات رئيس الدولة وتعدّياً عليها، إخلالاً بالواجبات والمُترتّبة عليها بمُقتضى الدستور، ومخالفاً لأحكامه.
ويبقى السؤال، عن الإمكانيّات والمُتاحة لمجلس النوّاب، مواكبةً لهذا الإداء، ومواجهةً له:
يحقّ لأي نائب أو أكثر توجيه السؤال إلى جانب معالي وزيرة العدل، بواسطة رئيس المجلس النيابي، عملاً بأحكام المادة /124/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب تاريخ 18/10/1994، على أن يُحوّل هذا السؤال إلى إستجواب، بحال عدم الجواب (المادة /126/ نظام) أو عدم الإقتناع بالجواب (المادة /138/ نظام).
على أن يكون السؤال: لماذا الإقدام على تجزئة مشروع التشكيلات، رغم صراحة نصّ المادة الخامسة المعدّلة من قانون القضاء العدلي الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 150/1983 تاريخ 16/9/1983؟.
يحّق لأي نائب أو أكثر طرح الثقة بجانب معالي الوزيرة مُباشرةً، في العقود العادية (ونحن ضمنها) كذلك في العقود الإستثنائية، عملاً بأحكام المادة /37/ من الدستور اللبناني.
وبالخُلاصة،
جميعُنا مُدْرِك، ما تتمتّع به معالي الوزيرة من أخلاق وقِيَم، مِنْ عِلْمٍ ومعرفةٍ، مِنْ مسؤولية وإدراك.
لكنّنا تطرّقنا إلى هذا البحث، من الزاوية الدستورية لا أكثر ولا أقلّ، مع الإحترام الشخصي لها.
ملتمسين من معاليها معالجة هذا المأزق، وعدم التحجج بأي ذريعة أم سبب، ولاسيما أنّ قانون القضاء العسكري المتذرّع به صادر في العام 1968 ومعدل في العام 1971، فيما قانون القضاء العدلي صادر في العام 1983، أي بتاريخ لاحق لتاريخ صدور قانون القضاء العسكري، وهو الواجب التطبيق. وبالتالي رمي الكُرة في ملعب رئيس الدولة (صاحب الصلاحية)، والذي سيُقرّر ما إذا كان سيُصدر المرسوم كما ورد من مجلس القضاء الأعلى، أم سيمتنع عن ذلك.
لكن السؤال الأهم يبقى،
ما يمكن أن يكون موقف مجلس القضاء الأعتى، حيال هذه السابقة؟
سؤال، جوابه سيأتي في الأيام القابلة.