يحمل وزير الأشغال علي حمية لواء «إعادة إعمار المرفأ بطريقة حديثة وعلمية ومخطط توجيهي، وتنظيفه من كل مخلفات الانفجار».
يضرب على الوتر الحساس المتعلق بالاقتصاد، يبالغ في إظهار حرصه على فتح أبواب الوزارة في ظل «اهتمامه وحرصه على مشاركة جميع المهتمين من دول وشركات عالمية بإعادة اعماره».
يريد لموقع جريمة القرن أن يعيد احياء هذا الاقتصاد المنهار. يتجاهل التحقيق المشلول، فما حصل هو قضاء وقدر ليس أكثر، ومن سقط يكفي أهله ومحبيه أنه شهيد ارتقى إلى جنات الخلد، ولا لزوم للتعطيل بعد اليوم، فالحي أبقى من الميت.
هل يمكن طرح فكرة أفضل وشعار أفضل لطمس الحقيقة وكأن الجريمة لم تقع؟؟
صحيح أن بعض ملامح هذا الطرح يذكرنا بمحاولة ردم الحفرة التي أحدثها تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري.
لكن يجب الإقرار بأن السعي لطمس جريمة تفجير الحريري استوجب عدداً كبيراً من الجرائم والتفجيرات والاغتيالات الجسدية والمعنوية وصولاً إلى إلغاء مفاعيل المحكمة الدولية، في حين لم يتطلب طمس جريمة المرفأ حتى تاريخه إلا اغتيال لقمان سليم والمصور جوزيف بجاني ومنير أبو رجيلي، وتهديد مباشر للمحقق العدلي القاضي طارق البيطار بفقء عينيه والتأكيد على قبعه من القضية.
بالتالي على اللبنانيين أن يستكثروا بفضل المتحكم بأمنهم وسيادتهم على هذه المنة. وأن يستخلصوا العظات من الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله، الذي اتهم البيطار مباشرة ومن دون مواربة بتعطيل التحقيق، لأنه لا يقبل التنحي. وكان قد سبق وطالب بطي الملف بما تيسر من التحقيق بعد النجاح في قبع القاضي فادي صوان، موجهاً الاهتمام إلى التعويض على المتضررين.
ويصب كلام نصر الله في المنحى ذاته للوزير حمية، الذي قال قبل فترة: «لن نسمح لأي أحد أن يُبقي مرفأ بيروت رهينة، ونحن فتحنا أبواب الوزارة للجميع بما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين».
وكان قد أشار إلى أن «شركات فرنسية ومؤسسات مالية أبدت اهتماماً وأن الدولة اللبنانية سيكون لها دور من خلال شراكة القطاعين الخاص والعام».
كما كان قد أكد للسفيرة الفرنسية آن غريو، قبل فترة قريبة، ان قرار اعادة الاعمار «لا رجعة عنه»، مرحباً بكل الشركات التي تبدي استعدادها لتمويل اعادة الاعمار كون ايجاد التمويل ودفاتر الشروط ينبغي ان يسيرا بشكل متواز، خصوصاً أن «المخطط التوجيهي العام للمرفأ واعداد الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ في كل لبنان، قد شارفا على الانتهاء، ونحن من دعاة استقطاب الاستثمارات لهذا القطاع».
وعدا المرفأ، لوح وزير الأشغال بصنارة مشاريع أخرى تثير شهية الفرنسيين، ومنها سكك الحديد.
وتركيز معاليه على جذب اهتمام الدولة الفرنسية التي يحمل جنسيتها في طرحه هذا له مبرراته. فكلنا نذكر وعود الرئيس إيمانويل ماكرون للبنانيين في اليوم التالي لجريمة التفجير بلجنة دولية للتحقيق بالجريمة، ليتبين بعد عامين أن فرنسا ترفض تقديم قرار بإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق في الجلسة المنتظرة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أيلول المقبل.
بالتالي، وعدا ما ظهر، حتى اليوم، من تقاعس دولي بشأن جريمة تفجير المرفأ، التي صودف أن الأقمار الصناعية لم تستطع أن تلتقط صوراً لها، يبدو أن المصالح أهم من الحقيقة ومحاسبة المرتكبين التي من شأنها أن توقف مسلسل الرعب المرتبط بواجب منبعه تكليف من الله.
والمصالح التي يعد بها حمية الفرنسيين عبر حصة دسمة في إعادة إعمار موقع جريمة القرن، تشمل L’Intérêt et le principal، وتتفوق على جهود ماكرون الحازمة والواقعية والبراغماتية، ونواياه الحسنة المتعلقة بضرورة «إحقاق العدل» وتبيان الأسباب وراء الجريمة.