لا حاجة الى أدلّة كثيرة لكشف الدرك الذي وصلت اليه حال سوريا بفضل النظام الذي يقف على رأسه بشّار الاسد. لعلّ آخر دليل على مدى الانحدار السوري أنّه ليس معروفاً المكان الذي انعقد فيه اللقاء بين الأسد الابن ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي حطّ فجأة، قبل أيّام، في الأراضي السورية لتفقّد قواته وإبلاغ رئيس النظام الأسد رسالة ما. ربّما كان المكان الذي التقى فيه الرجلان في دمشق نفسها أو أن وزير الدفاع الروسي استدعى بشّاراً الى قاعدة حميميم قرب اللاذقية.
كشف الشريط القصير الذي بثّه التلفزيون الروسي (بالصوت والصورة) عن بداية اللقاء، أن رئيس النظام السوري «فوجئ» بمجيء سيرغي شويغو الى البلد. تقول بداية الشريط كلّ شيء. فكلّ شيء عن الزيارة في هذا الشريط القصير وفي كلمة واحدة هي كلمة «المفاجأة». استناداً الى الشريط رحّب بشّار الأسد بالوزير الروسي واصفاً زيارته بأنّها «مفاجأة سعيدة». هذا يعني بكل وضوح أن وزير الدفاع الروسي صار يستطيع المجيء الى سوريا من دون إذن مثله مثل الطائرات الإسرائيلية التي تضرب من تشاء ساعة تشاء.
ينقل بشّار الأسد سوريا والسوريين من مفاجأة الى أخرى. لم يشبع من المفاجآت ولم يشبع السوريون والعرب من مفاجآته. تاريخ الرجل مفاجآت بمفاجآت. كان الاستثناء الوحيد وصوله الى السلطة، عن طريق الصدفة بدل ان يكون عن طريق المفاجأة. خلف والده بحسب خطة مدروسة أعدّها أركان العائلة. لكنّ هذا الحدث عائد أساساً الى مفاجأة أخرى هي مقتل شقيقه الأكبر باسل في حادث سير عند مدخل مطار دمشق مطلع العام 1994.
فاجأ بشّار الأسد مواطنيه منذ توليه السلطة بأفكاره الساذجة من نوع أنّه قادر على إقامة توازن استراتيجي مع إسرائيل بواسطة «حزب الله» وصواريخه الموجودة في الأراضي اللبنانية. لم يدرك أنّ والده عرف جيّداً كيف يبقي على مسافة معيّنة بين النظام و»حزب الله» وذلك كي لا يكون تحت رحمته لا في لبنان ولا في غير لبنان.
تظل المفاجأة الأكبر التي أقدم عليها المشاركة بطريقة أو بأخرى في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه بعد التمديد لإميل لحود الذي كان رئيساً للجمهورية. مدّد بشّار الأسد بالقوة ولاية اميل لحود، وذلك على الرغم من صدور القرار الرقم 1559عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة… هذا القرار الذي اعتبر النظام السوري في البداية انه غير معني به، الى ان اكتشف انّه المعني الاول هو و»حزب الله» بصفة كونه ميليشيا مذهبية لا همّ لها سوى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية.
في العام 2011، بعد ست سنوات على اغتيال رفيق الحريري، تفاجأ بشّار الأسد بالشعب السوري يثور عليه وعلى نظامه. لم يستوعب، الى اليوم، معنى وجود ثورة شعبية حقيقية في سوريا وانّه كان عليه منذ اليوم الاوّل جمع مليارات الدولارات التي يمتلكها مع افراد عائلته والعيش في مكان آمن مستمتعاً بتلك الثروة الضخمة التي كانت وقتذاك في تصرّفه.
اختار الأسد الابن التعامي عن الذي يجري في سوريا. كان مفهوماً انّه لا يعرف شيئاً عن لبنان واللبنانيين، خصوصًا عن اهل السنّة في هذا البلد الجار. ولكن هل كان طبيعياً ان يكون بشّار الأسد جاهلاً بسوريا والسوريين الى الحد الذي صار فيه تحت رحمة الميليشيات الإيرانية داخل دمشق نفسها؟
طبيعي أن يفاجئ وجود وزير الدفاع الروسي في سوريا بشّار الأسد. المفاجأة غير سعيدة إطلاقاً لرئيس النظام السوري، على العكس مما ورد على لسانه في الشريط. تبيّن انّ بشّار الأسد لا يعرف شيئاً لا عن لبنان ولا عن سوريا نفسها ولا عن إيران ولا عن روسيا وقيصرها الجديد فلاديمير بوتين. لم يسأل نفسه ما الثمن الذي تريده روسيا المفلسة لقاء ارسال قوات الى سوريا وتأمين غطاء جوّي للميليشيات الإيرانية وتلك التابعة للنظام عندما تجد ذلك مناسباً لها؟
في حال كان مطلوباً تعداد مفاجآت بشّار الأسد، تبدو اللائحة طويلة، بل طويلة جدًّا. هناك مفاجأة انّه لم يحسن حتّى من الاستفادة من الفرصة التي وفّرها له الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي سامحه في مرحلة معيّنة على كلّ ما ارتكبه في حق لبنان والعرب وفي حق السوريين. أراد إنقاذه لعلّ ذلك يساعد في تحسين الوضع العربي. ولكن ما العمل مع شخص يظنّ ان روسيا او إيران جمعية خيرية وان إسرائيل لا يمكن ان تستغني عنه؟
هل تتوقف مفاجآت بشّار الأسد عند حدّ ما ويستوعب أخيراً أنّ كلّ كلامه عن السيادة والحرب على الإرهاب لم يعد من معنى له، ما دام وزير الدفاع الروسي صار يأتي الى سوريا من دون إذن وان الإيرانيين وادواتهم المعروفة من طينة «حزب الله» والميليشيات المذهبية، يسرحون ويمرحون في ظل تفاهم روسي ـ إسرائيلي؟ الأكيد ان المفاجأة المقبلة لرئيس النظام السوري لن تكون «سعيدة»، خصوصا انّ لكل لاعب في سوريا حساباته. للروسي حساباته وللإيراني حساباته وللاسرائيلي حساباته وللتركي حساباته. كلّ هذه الحسابات لا تتفق مع حسابات بشّار الأسد الذي اعتقد انّه يستطيع استخدام الآخرين للبقاء في السلطة. قد يكتشف يوماً ان كلّ ما يستطيعه هو لعب الدور المطلوب منه للانتهاء من سوريا التي عرفناها وانّه ليس سوى أداة، عن سابق تصوّر وتصميم، في تنفيذ هذه المهمّة البائسة.