أعاد إدّعاء ديوان المحاسبة على وزراء الإتصالات، السؤال عن الجهة صاحبة الإختصاص المخولة التحقيق مع الرؤساء والوزراء ومحاكمتهم. الأمر الذي تزامن مع مصادقة مجلس القضايا لدى مجلس شورى الدولة بقراره الصادر بتاريخ 27 نيسان 2023، على الأحكام الصادرة عن ديوان المحاسبة في العام 2020 بحق وزير الأشغال العامة والنقل الأسبق محمد الصفدي.
وأمام التخبّط في تفسير آلية محاكمة الوزراء ومحاسبتهم وما إذا كانت تعود الصلاحية إلى القضاء العادي أو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء (مجلس النواب)، أشار المحامي البرفسور سعيد مالك لـ»نداء الوطن»، إلى أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز (أعلى هيئة قضائيّة) وفي قرار صدر عنها في العام 2000 حسمت هذا النقاش واعتبرت أنّ الأفعال أو الجرائم العادية هي من صلاحيّة القضاء العادي، خلافاً للجرائم الوظيفيّة التي تعود لإختصاص مجلس النواب، وذلك بعد أن يعمد القضاء إلى تقييم هذه الأفعال أو الجرائم المنسوبة إلى الرؤساء والوزراء بعيداً عن النظر في صحتها أو عدمها.
وأوضح مالك أنّ «تفسير المادة 70 من الدستور شكل نزاعاً إستدام من عام 1989 حتى بتت الهيئة العامة لمحكمة التمييز بهذه النقطة وهذه الإشكاليّة في العام 2000» وحددت المعيار الواجب الإعتماد عليه.
ولفت إلى أنّه «من الثابت والأكيد وفي العودة إلى أحكام المادة 70 من الدستور اللبناني، يتبيّن جلياً أنّ المادة المذكورة قد نصت على أنه لا يمكن ملاحقة الوزير أو رئيس الحكومة إلا بجرمي الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات الوظيفية ومحاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء أي «مجلس النواب». الأمر الذي أدى إلى تشابك بين صلاحيات المجلس العدلي أو القضاء العادي أو الإداري والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، خلال الإدعاء على عدد من الوزراء في السابق من بينهم كل من جوزف الهاشم مروراً بالوزير جميل كبّة، وقرطاس وبرصوميان، وصولاً إلى علي عبدالله، وآخرين».
وأشار إلى أن الجريمة المساقة بحق أيّ وزير والتي تخرج عن سياق الوظيفة، تعود إلى اختصاص القضاء العادي، خلافاً للجريمة الناتجة عن الوظيفة والتي تبقى من صلاحيات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وأكّد أن الوظيفة لا تفرض على الوزير إقتراف مخالفات أو أفعال منافية أو مخالفة، الأمر الذي أكّده القرار الصادر عن شورى الدولة، بخصوص الطعن في قرار ديوان المحاسبة، الذي وضعه مالك في محله الصحيح.
واعتبر أن هذا القرار قطع الطريق راهناً أمام أيّ وزير للإستناد إلى أصول محاكمة الوزراء أو نص المادة 70 من الدستور ما إذا كانت الأفعال المساقة بوجهه تخرج عن سياق العمل الوظيفي.
ولفت إلى أنّ ما سيق بحق وزراء الإتصالات المتعاقبين وعددهم 6، والمرتبط في ملف الهدر والصفقات في شركات الإتصالات، يندرج في خانة الجرائم التي تخرج عن سياق أحكام المادة 70 من الدستور، والتي تستوجب محاكمة أمام القضاء العدلي، لا سيّما وأن الأفعال المساقة بوجه هؤلاء الوزراء تخرج عن السياق الوظيفي ولا تدخل في سياق العمل المطلوب من قبل الوزير، ما يفتح الباب للقضاء العادي، كما لديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة البتّ في هذه الملفات والمواضيع المرتبطة بها.
ورأى أن هذا التوجه ينطبق ويسري على العديد من الملفات المطروحة، ومنها الجرائم المنسوبة إلى الوزراء المُدانين في قضيّة المرفأ، وشدد على أنّ الوظيفة لا تستوجب إخلالاً ضمن إطار إعطاء التعليمات أو إتخاذ التدابير اللازمة.
في الغضون، اعتبر المحامي الدكتور عادل يمين أنّ القرار الصادر عن مجلس القضايا لدى مجلس شورى الدولة، وبمعزل عن المسؤوليات التي تضمنها، جاء ليؤكد أن ملاحقة الوزراء عن الإخلال بالواجبات الوظيفية وعن الجرائم في مناسبة أو في معرض تولي المهام الوزارية ليست محصورة بطريقة الاتهام بأغلبية الثلثين من مجلس النواب ومن ثم المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الأمر الذي يعني أن هذه الطريقة في الملاحقة المنصوص عليها في المادة 70 من الدستور هي جوازية وليست حصرية، ولا تمنع القضاء من الملاحقة.