إذا كان الموقف اللبناني الرسمي المعلن من التصعيد الخطر في سوريا إثر الضربة الضاروخية الأميركية والبريطانية والفرنسية المشتركة، قد بات معروفاً، وهو «النأي بالنفس» المكرّس منذ عودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته في تشرين الثاني الماضي، فإن تداعيات التطوّرات العسكرية في الميدان السوري لن تنأى بدورها عن الواقع السياسي المحلي، وخصوصاً أن تأثيراتها لن تتأخر في الظهور في تفاصيل المشهد الانتخابي في الأيام المقبلة. وعلى الرغم من أن الوحدة الداخلية هي ضرورية في هذه المرحلة الإقليمية الحسّاسة، فإن مصادر وزارية مطّلعة، أكدت على استمرار القرار الدولي بالحفاظ على استقرار الوضع اللبناني، وعدم السماح لأي مستجدات عسكرية أو سياسية بالدخول على خط إرباك عملية الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل. ومن هنا، لم تلحظ المصادر نفسها، أي انعكاسات للوضع الإقليمي رغم ارتفاع سقف الخطاب ما بين واشنطن وموسكو في الدرجة الأولى، على لبنان، وبخاصة أن الضربة الأميركية بقيت محصورة في نطاق معين بعيداً عن روسيا، ولو أن الإدارة الأميركية سعت إلى توظيفها مع القيادة الروسية في العديد من المجالات، وليس فقط في المجال السوري.
وفي هذا الإطار، تكشف المصادر الوزارية نفسها، عن أن ضغط الأزمة في سوريا يواكب، ومنذ الأيام القليلة الماضية، الاستحقاق النيابي ويظلّل الحراك الانتخابي المسجّل في كل المناطق، وإنما أي تأثير سيبقى محدوداً، ذلك أن الساحة اللبنانية قد انخرطت جدياً، ومعها المجتمع الدولي، في مدار الانتخابات النيابية، وبصرف النظر عن كل ما يجري في المنطقة من تصعيد للصراع العسكري في سوريا، والاشتباك الأميركي – الروسي الذي وصل إلى مرحلة متقدمة من الخطورة.
ووفق المصادر الوزارية نفسها، فإن السيناريو الغربي على الساحة السورية يوحي بوجود جدية في حسم الوضع لجهة التركيز، وتحت وطأة التصعيد العسكري على وجوب التسوية السياسية، مع العلم أن كل الاحتمالات تبقى واردة على الساحة السورية بعد طي صفحة الهجوم الصاروخي، وذلك على المستوى السياسي بشكل خاص. وفي هذا المجال، فإن أطراف الأزمة هي الآن في مرحلة درس الخيارات استناداً إلى نتائج ما حصل في نهاية الأسبوع الماضي، كما تضيف المصادر نفسها، والتي وجدت أن الاستراتيجية الروسية الإيرانية – السورية المعتمدة، قد أثبتت نجاحها، وتقدّمت على الاستراتيجية الأميركية أو الغربية غير الواضحة إزاء الأزمة السورية، كما مجمل الأزمات الشرق أوسطية.
وأوضحت أن عواصم القرار الغربية تعمل على إرساء قواعد ما يسمى بالحرب الباردة الجديدة مع موسكو، انطلاقاً من الأرض السورية، مع كل تعقيداتها وتفاصيلها، ومن ضمنها بشكل رئيسي المواجهة الأميركية مع إيران، وذلك تحت ذريعة «الكيماوي» التي شكلت الغطاء للمحاولة الأميركية لفصل إيران عن روسيا، مع العلم أن الرهان الأميركي على هذا الافتراق ليس في مكانه، بل على العكس، فإن التحالف بين الطرفين الروسي والإيراني قد أصبح أكثر متانة بعد الهجوم الثلاثي على سوريا.