فتح المشهد الإقليمي الباب أمام حقبة أمنية وسياسية مختلفة عن كل ما سبقها في المنطقة، وزاد من حجم التعقيدات في الملفات الشائكة، كما دفع أكثر من ساحة متوتّرة وخصوصاً في لبنان وسوريا إلى حدود خطرة، في ضوء التباين الأميركي ـ الروسي والتجاذب الأميركي ـ الإيراني حول الضربات الجوية الدولية التي يشنّها التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» في سوريا. وعلى وقع الضربات والغارات الصاروخية، يحتدم الخلاف الداخلي بين القوى السياسية اللبنانية، وتتّسع الهوّة بين فريقي 8 و 14 آذار، بصرف النظر عن اتفاق تشريع الضرورة، فيما يشهد ملف العسكريين المخطوفين فصلاً جديداً من التأزّم والمواجهة ما بين أهالي العسكريين والحكومة من جهة، والحكومة والتنظيمات الإرهابية الخاطفة من جهة أخرى. وبرأي مصادر وزارية مطّلعة، فإن الخلافات الإقليمية المحيطة بالحرب الدولية على الإرهاب، لن تؤثّر على فاعلية الضربات على «داعش»، كما أنها لن تؤدي إلى أي مواجهات في المنطقة، إنطلاقاً من كون التدخّل العسكري الأميركي في سوريا لن يتعدّى حدود استهداف التنظيمات الإرهابية، وبالتالي، فإن المعادلة العسكرية لن تشهد أي تغييرات باستثناء إمكان نشوء فراغ في بعض البقع التي ستنسحب منها «داعش»، والتي لم يتم البحث في الجهة القادرة على الإنتشار فيها، والتي قد تكون الجيش السوري أو المعارضة السورية.
وقالت المصادر الوزارية نفسها، أن التركيز الأميركي في التحالف الذي أنشأته هو على الإرهابيين، وأن توجيه الضربات «المفاجئة» منذ يومين لم يكن غير منسّق مع روسيا، كما مع إيران وسوريا، وذلك انطلاقاً من موافقة الأطراف الثلاثة المعترضة أصلاً على القصف الدولي في الأراضي السورية، على أولوية محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم «داعش» بكل الوسائل المتاحة. وأكدت أن البيانات والمواقف الصادرة غداة استهداف مواقع «داعش» و «النصرة» في سوريا، حملت في طياتها إشارة إلى التجاوب مع المجتمع الدولي، كما مع الدول العربية في خطّتها لضرب الإرهاب، ولكنها لم تتخلّ عن خطابها التحذيري من سيناريوهات خفية تتخطى القضاء على «داعش».
وإذا كانت التعقيدات السياسية كما العسكرية، والتي برزت على الساحة العراقية في الفترة الأخيرة، قد دفعت نحو توقّع إطالة أمد الحرب الدولية على «داعش» في هذه الساحة، فإن المصادر الوزارية وضعت هذه التعقيدات في سياق التأخير في حلحلة الملف النووي الإيراني والضغط من قبل الجانبين الأميركي والإيراني، ومن خلال العملية السياسية في العراق للوصول إلى اتفاق على هذا الصعيد. وأكدت أنه على الرغم من هذه العراقيل، فإن العملية العسكرية التي أطلقها التحالف، والذي بات يضم خمسين دولة، تمكّنت من دفع غالبية الأطراف الإقليمية إلى الميدان، وإلى المشاركة بشكل أو بآخر في الحرب الجارية، وأبقت المجال مفتوحاً أمام الدول المعارضة للتحالف الدولي، لإعادة النظر في مواقفها إزاء العودة الأميركية القوية إلى المنطقة، والتي تتم تحت عنوان القضاء على إرهاب «داعش» هذه المرّة.
وتوقّعت هذه المصادر، أن تكون الضربات الجوية على الأراضي السورية قد أعطت نتائج سريعة على مستوى تحقيق بعض الأهداف العسكرية، وتغيير ميزان القوى في المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، بعدما بات مسلّحو «داعش» على الحدود التركية. لكنها لفتت إلى أن إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن امتداد الحرب على الإرهاب نحو ثلاث سنوات، وحديث مسؤولين عسكريين أميركيين عن استمرار الغارات نحو عام واحد على مواقع الإرهابيين في سوريا، يرسم علامات استفهام حول المرحلة المقبلة على صعيد ما ستحمله من ارتدادات لهذه الحرب على المستوى السياسي السوري إلى جانب الميداني، إضافة إلى انعكاس هذه العملية على الساحة اللبنانية التي انخرطت بقوة، ومن خلال خطف العسكريين من قبل «داعش» و «النصرة»، في الحرب على الإرهاب، وإن كانت المواقف السياسية لا تزال تتباين وبشكل كبير حول جدوى وفوائد دخول لبنان تحالفاً دولياً تقوده أميركا في المنطقة، وخصوصاً في سوريا.