في الشكل وبحسب الشروط القانونية اجتمعت الحكومة اللبنانية ، الا انها في مقاييس المضمون فكانها لم تجتمع، لا قرارات ، لا نقاشات جدية ولا حلول للازمات والملفات العالقة عند عنق زجاجة المناكفات السياسية، التي ساحتها هذه المرة المؤسسة العسكرية، مع دخول الجيش مرحلة الخطر نتيجة قرب نفاد الاعتمادات المتعلقة بالتغذية والمحروقات والطبابة والامور اللوجستية التي تهدد المؤسسة بالشلل، والتي جاءت لتضاف الى القضايا الحياتية الملحة من رواتب موظفي القطاع العام والهبات الدولية التي ستذهب مع الريح اذا لم يقرها مجلس الوزراء، فضلا عن كارثة النفايات، حيث يختلط حابل الحقوق المسيحية بنابل الهرطقات القانونية.
فالجلسة التي دخلها اطراف المواجهة في جو مشحون عبرت عنه تصاريحهم المقتضبة قبيل انعقاده، والتي بلغت بوزير الداخلية الى حد التهديد بالتمديد مرة ثالثة للعماد قهوجي، كانت كفيلة باعطاء صورة عما ستكون عليه الحال في الداخل، خاصة بعد التململ الشعبي والاحتقان الذي ساد قواعد التيار الازرق على خلفية الكلام الذي تناول الرئيس رفيق الحريري والشعارات التي رفعت خلال تحرك الاربعاء المسائي، حيث اكدت مصادره ان محاولات حثيثة جرت طوال الليل لضبط الشارع الاسلامي خوفا من اي رد فعل بعدما تمادى التيار البرتقالي ذاهبا بعيدا في تحركه.
مصادر وزارية اكدت ان النية «غير الصافية» لوزراء التيار الوطني الحر وحلفائه ، كانت واضحة منذ بداية الجلسة، من خلال اصرارهم على ضرورة التراجع عن قرارات التمديد للقادة الامنيين والعسكريين، رغم معرفتهم الكاملة بان الامر مستحيل لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية، رغم مناشدة رئيس الحكومة بضرورة بت بعض البنود الاساسية في جدول الاعمال التي هي اهم من اي مكسب سياسي من هنا او تسجيل نقطة من هناك، لارتباطها بامور حياتية ملحة، في حرب «عض اصابع» يمارسها التيار تجاه الشعب اللبناني قبل ان يكون تجاه الحكومة ، التي في النهاية قد تسقط سواء في السياسة او الشارع، الامر الذي سيزيد الامور تعقيدا، سائلة كيف يعمد العماد عون الى اعتماد وسائل كان سبق ان انتقدها يوم عمد اطراف آخرون الى استعمالها، سواء بقبوله التعطيل الحكومي متحججا يتعطيل الرابع عشر من آذار لمجلس النواب، او «موافقته» على عرقلة عمل المؤسسات الامنية، هو الذي كان شن حملات ضد الرئيس السنيورة والمستقبل لعرقلتهم مشاريع مالية مرتبطة بالجيش والعسكريين، هو نفسه الذي يعرض للمؤسسة اليوم للخطر مع منعه مجلس الوزراء من اقرار السلف الضرورية لتأمين الامور اللوجستية للجيش.
ورأت المصادر ان الجنرال الذي حاول تكريس تموضعه من ضمن «الخط المنتصر» في المنطقة في محاولة لقطف ثمار تداعيات الاتفاق النووي سياسيا ، بدا وكأنه يسير «عكس التيار» في الوقت نفسه مع اصراره على اظهار انه لا يرضخ لاي ضغط وانه صاحب اجندته الخاصة، فتقصد اعلان انطلاق التحركات مع وصول ظريف الى المطار، والنزول الى الشارع مع مغادرته الى سوريا، رغم تأكيد دعمه الاستقرار في لبنان وجعله رئيس الحكومة تمام سلام شخصياً وحكومته نقطة الارتكاز في هذا الاستقرار الذي يبدو حاجة ايرانية ريثما ينقشع الغبار في ملفي سوريا واليمن، معتبرة ان محاولة قلب الحكومة من بوابة تعطيلها تبقى دون افق، لان الحجج التي يرتكز اليها الجنرال في هجومه محكومة بخطوط حمر اقليمية ودولية اقر بها بنفسه.
وبحسب اوساط في تيار المستقبل فان العماد عون اخطا كثيرا هذه المرة في جعله المعركة مع الجيش ، بعدما نجح غريمه في اليرزة من حشد الدعم السياسي والشعبي ، معيدا الطابة الى ملعب الجنرال، معترفة انه قد يكون من الصحيح ان التسريب المقصود لصورة العماد قهوجي محتفلا بالانتصار قد استفزت العماد عون ، الا انه لم يكن من الممكن السكوت بعد رفع الاصبع العوني في وجه قائد الجيش، خاصة ان وزير الدفاع لم يكن في وارد السماح بصدور اي بيان او رد مباشر ، خاصة ان الصورة فعلت فعلها مع انقلاب السحر على الساحر، مع بلوغ الرابية معلومات عن عزم قائد الجيش التصدي لاي محاولة اقتراب او مس بالمربع الامني المحيط بوزارة الدفاع ايا كانت الظروف، رغم تأكيده في المقابل على عدم التعرض للمتظاهرين حتى في حال استفزازهم للعناصر الامنية.
وتبعاً لذلك، تساءلت الاوساط عما كان سيفعله العماد عون لو قرر النزول والبقاء في الشارع ماذا سيفعل في اليوم التالي؟ هل سيبقى في الشارع؟ والسؤال الأهم هل كان سيصطدم بالجيش ؟ وهل ان الجو الإقليمي الآن جاهز ليعطي مردوداً على أي حركة في الشارع سواء كانت سلمية أو أمنية أو حتى عسكرية؟ ومن هي الجهة المستعدة أن تدفع ثمن ذلك إقليمياً؟ فاذا كان الهدف من التحرك إسقاط الحكومة التي يعتبرها حلفاء العماد عون خطاً أحمر، فما الجدوى منه إذاً؟