بعد مضيّ ما يقارب ال 11 شهراً على مهمة تشكيل الحكومة، داخل جدران قصر بعبدا وخارجه، مع ما رافق ذلك من صعود وهبوط ، بسبب التناحرات التي شهدتها الزيارات ال 14 التي قام بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مع «طلعات ونزلات» يومية، اتت الخاتمة السعيدة يوم امس بعد طول إنتظار، وغداً «يوم آخر» يجب ان يحمل في طياته سياسات اخرى مغايرة، تعيد التوافق الى السراي والى جلسات الحكومة، لكن بالتأكيد لن تنهي الازمات التي تحتاج الى وقت طويل، اذ ستبقى مشاهد الطوابير المنتظرة امام محطات المحروقات على حالها، لكن مع امل اكبر بأن تخف يوماً، أضف الى ذلك طوابير من نوع آخر، داخل محلات الصيرفة لبيع المواطنين دولاراتهم، التي سارع سعرها الى الهبوط قبل اعلان التشكيلة، خصوصاً في المناطق البقاعية، مما يعني انّ اولى بوادر تشكيل الحكومة انتجت ارتياحاً لدى المواطنين، مع امل ولو بسيط بإمكان ضبط الوضع وتحويله نحو الايجابية.
الى ذلك، ثمة مصادر سياسية تؤكد انّ البيان الوزاري المرتقب، لن يكون مطوّقاً بسلسلة شروط او مطالب يصعب تنفيذها، لان ّ التشكيلة تبدو نوعاً ما من لون سياسي واحد، والتفاؤل الذي تشعر به بعض الاطراف المشاركة، قد يشوبه الحذر قليلاً ، لكن البيان المرتقب لن يكون على شاكلة بيانات الحكومات السابقة، التي كانت تحوي اطرافاً معارضة ، وتتسبّب بوضع البيان الوزاري ضمن إطار الخلافات، اذ كانت تدور حول كلمة واحدة، واحياناً على حرف واحد كاد ان يطيح مراراً بالحكومة، لولا الإستعانة بمهمة تدوير الزوايا المنقذة الدائمة للمسؤولين اللبنانيين، والتي كانت توصلهم في نهاية الامر الى الدرب المفتوح.
ورأت المصادر المذكورة بأنّ الحكومة ستعبر بسلام، ولن تجد نفسها أمام جملة تحدّيات، كما كان يحصل سابقاً، وكان ابرزها مسألة حياد لبنان والاستراتيجية الدفاعية، لكن اليوم الكل سيتفادى هاتين المسألتين، في ظل الاوضاع المصيرية الصعبة والانهيارات المتتالية، التي ادخلت البلاد ضمن مرحلة سياسية اخرى، تتطلب إنهاء تلك الخلافات خلال فترة زمنية محددّة، وهي تنص بحسب الدستور على مهلة ثلاثين يوماً، لتتقدّم الحكومة من مجلس النواب ببيانها الوزاري، اي من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ما سوف يشكل امتحاناً لسياسة الحكومة الجديدة.
إزاء هذا الوضع تتجه الأنظار قريباً الى هذا المشروع ، في ظل معلومات تؤكد أن البيان سيكون مدروساً ومقتضباً ، بما معناه ان اعتماد مبدأ المختصر المفيد سيؤدي دوره على الساحة الوزارية، لان المرحلة تتطلب تنظيم الاختلاف، اي إبعاد كل ما من شأنه توتير الاجواء، وسط التشديد على موافقة الجميع على تضمين البيان ما يرضي الجميع، على ان تنال الحكومة الثقة حتى من قبل «تكتل لبنان القوي» بحسب ما وعد رئيس « التيار الوطني الحر» جبران باسيل المساهم الاكبر في وضع التشكيلة.
ورأت المصادر انّ امام هذه الحكومة مهمات مصيرية، ابرزها تأمين المتطلبات الضرورية المعيشية، وضبط سعر الدولار المخيف، وتأمين الضروريات الاساسية من ادوية وإستشفاء ومحروقات وكهرباء ومياه ، والى ما هنالك من حقوق للمواطن مع فرض الاستقرار والامن في البلد، فضلاً عن تأمين الأجواء اللازمة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري في ايار من العام 2022، وتشكيل شبكة أمان سياسي لإجرائها.
واشارت المصادر الى انّ حكومة ميقاتي التي دخل الوسطاء على خطها، من اتجاهات عدة داخلية وخارجية، خصوصاً الجانب الفرنسي الذي ساهم في ضبط الخلافات، سيعمل على مساعدة لبنان من خلال مؤتمر الدعم الدولي ، الذي نظّمته باريس والأمم المتحدة ، في آب الماضي ووعد بتقديم نحو 370 مليون يورو كمساعدات ، شرط ان تتشكل حكومة انقاذ فاعلة وقادرة على تحقيق الاصلاحات، وهذا يعني انّ امام حكومة ميقاتي مهمة صعبة، وعد رئيسها ببدء العمل لإنقاذ البلد عبر فريق متجانس، وفي حال تحقق هذا الوعد، فالنتيجة ستكون ايجابية جداً لصالح لبنان واللبنانيين، خصوصاً بعد وعد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بأنّ المؤتمر سيتخذ ايضاً خطوات عملية لمساعدة اللبنانيين، على ان تخصّص في الأشهر المقبلة مبلغ 100 مليون يورو، كدعم مباشر للشعب اللبناني، في قطاعات التعليم والتربية والمساعدات الغذائية والصحية، كما لفت الرئيس ماكرون الى ان بلاده ستساهم ايضاً في إعادة اعمار مرفأ بيروت.