يمكن للرئيس ميقاتي، بعدما تلقى برَكة المفتي دريان تعويضاً عن قلّة حماسة “النادي” المستاء، أن يردّد فوراً خلف الرئيس برّي “حيّ على خير العمل”، فحكومته المصون لا تحتاج ثقة مجلس النواب لأنها مشكَّلة أصلاً ضد منطوق الدستور وأصول الديموقراطية بجمعها مكونات الأكثرية النيابية.
حكومة “الثورة المضادة” فعلت الصواب. فاحتراماً لما تبقى من شكليات، إلتأمت بوزرائها المحترمين و”رويبضاتها” العديدين لتخرج ببيان اختصر الثرثرة ببضع صفحات. فليس المواطنون مستعدين لمتابعة ما حفظوه من تعهدات فارغة قطعتها الحكومات، ولا “مجتمع المساعدات” يريد أكثر من عبارة اللجوء الى “صندوق النقد” لإخراج لبنان من حفرة المنظومة وجهنم العهد “يداً بيد”.
صار من قبيل الابتذال اللعب على الألفاظ حمّالة الأوجه وعلى التعريف والتنكير في مفردات البيانات الوزارية. فالكل يعلم ان الحكومات تتشكل وفق موازين القوى الاقليمية، وأن سياساتها اليومية محكومة بهامش الشراهة وفرض الارادة بغية تحقيق مكاسب حزبية وشخصية وعائلية وطائفية. لذا لزوم ما لا يلزم تضييع أي دقيقة من وقت حكومة “معاً للإنقاذ” المولجة تسيير أمور الناس، خصوصاً انها محرومة جينياً من التطرق الى الأساسيات.
أسوأ ما في البيان ليس ما ورد فيه، مع ان بنوداً عدة تدفع الى الارتياب، خصوصاً أن “حزب المصارف” في الحكومة لن يتورع عن توزيع الخسائر محملاً المودعين وكل المواطنين وزر جريمة الاستيلاء على المال العام والخاص، والتي اقترفتها المنظومة متكافلة متضامنة على مدى ثلاثة عقود.
أسوأ ما في البيان ما لم يجرؤ على التطرق اليه بوضوح وبلا التباس. فغير معقول ان يعرب البيان الوزاري عن عواطفه الجياشة تجاه أهالي ضحايا جريمة 4 آب من دون التعهد بدعم المحقق العدلي، فيما مارس بصراحة جلية واجب التعهد بالتزام قضية الامام الصدر والمحكمة الدولية في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
غير أخلاقي استنكاف البيان عن دعم القاضي طارق بيطار وعدم التزام حق أهل الضحايا في الوصول الى الحقيقة والجهر بالتعاون مع مجلس نيابي متمسك بالحصانات. موقف متواطئ يفسح في المجال واسعاً أمام اتهام صناع البيان والرئيس ميقاتي تحديداً بالطائفية والتمييز بين المواطنين، فيما هاجس الحكومة بالتأكيد هو إبعاد كأس الحساب عن أهل المنظومة بمسيحييهم ومسلميهم ومراعاة الانقضاض على المحقق العدلي تحت ستار رفض الاستنسابية وتعليق حصانات الجميع.
يخطئ الرئيس ميقاتي في اعتباره “جريمة النيترات” مسألة يمكن القفز فوقها في البيان الوزاري بألاعيب الصياغة الواضحة الانحياز. التحقيق بالجريمة للوصول الى تحديد المسؤوليات وسوق المرتكبين ليس تفصيلاً بل هو جوهر يتعلق بإمكان إقامة دولة القانون في لبنان لئلا تبقى حقوق الناس الأصلية ضائعة بين سنابك الطوائف والمذاهب وقوى الأمر الواقع.
حكومة المنظومة لن تكون حتماً الى جانب قاضٍ جريء تفضح ادعاءاتُه على وزراء ونواب وموظفين كبار مَن تدين لهم بالولاء، لكنها ترتكب بذلك حماقتين: أولاهما، تعريض الايمان بالعيش المشترك للاهتزاز كون غالبية الضحايا والمتضررين من المسيحيين فيما أكثرية الذين يحاولون تضييع التحقيق قادة مسلمون. وثانيتهما، ضرب مبدأ دستوري يقضي بحصول اي مواطن على حقه البديهي بغض النظر عن الانتماء الطائفي، وهو العنصر الأهم بكل تأكيد.