لم يعد أكثر المتفائلين يتوقّع وصول مهمة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى خواتيمها السعيدة. فبالنسبة إلى كثيرين، صار الدور الفرنسي لتمرير الوقت فقط بعدما فقدت باريس مصداقيتها، لتبقى العين على الثلاثي، أي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وإيران، وهي الدول الأكثر تأثيراً في الساحة اللبنانية، خصوصاً في ملف الرئاسة .
لا يستطيع أحد الجزم بموعد انتخاب رئيس الجمهورية، وكل ما يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوله هو إن بلاده حاضرة، مع معرفته المسبقة بعجزها عن اجتراح الحلول. ويظهر الموقف الأميركي والسعودي الحازم تجاه لبنان وعدم المساومة، ما يعني غياب أي تسوية في الوقت القريب.
ويحتاج ملف رئاسة الجمهورية إلى اتفاق إقليمي ودولي واضح المعالم، وإلا سيبقى في دائرة المراوحة القاتلة، فالحوار الداخلي معطّل ومرفوض بسبب الشروط التي يضعها محور «الممانعة»، بينما لا يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسات متتالية، كما يرغب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وكما تطالب المعارضة.
ووقع «حزب الله» في فخّ محاولة تبريره حادثة الكحّالة، فسقوط شاحنته على كوعها أربكه وأعاد تسليط الضوء على نقله الأسلحة من إيران وسوريا وتعريض حياة المدنيين للخطر. وبما أنه حُشر بهذه الحادثة وحاول تبرير نفسه كان جوابه أنّ نقل الأسلحة شرعيّ وضمن عمل المقاومة، كما يسمّيها، وهو مذكور في البيان الوزاري.
تبرير «حزب الله» والتلطّي بالبيان الوزاري «فتّحا العيون» مجدّداً على أعماله، ودفعا المعارضين له إلى التشدّد أكثر. ولم تعد القصة قصة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل ستتعدّاها إلى البيان الوزاري.
ورفعت المعارضة سقف مطالبها بتوقيع عريضة مشتركة أمس الأول، وذهبت بعيداً في المطالبة بتطبيق القرارات الدولية، ولا سيّما القرارين 1559 و1701، وبالتالي لن تقبل بتضمّن أيّ بيان وزاري جديد تشريعاً لعمل «حزب الله» العسكري.
ويظهر من خلال هذا الموقف أنّ الأزمة السياسية لن تنتهي بمجرد انتخاب رئيس للجمهورية، بل ستمتدّ إلى تأليف الحكومة وصياغة البيان الوزاري، فإذا حصلت معجزة وانتُخب رئيس، فستنتقل المشكلة إلى الحكومة، خصوصاً إذا كانت حكومة وحدة وطنية، فأي عهد جديد لن يُقلع من دون مشاركة كلّ الأطراف، ولن تكون هناك عودة خليجية وغربية إلى لبنان إذا كان الرئيس «ممانعاً» والحكومة من لون سياسي واحد، مثلما هي حكومات ما بعد 2019.
أعلنت المعارضة بقيادة «القوات اللبنانية» انطلاق المواجهة السياسية مع سلاح «حزب الله» ومشروعه والمشروع الإيراني في لبنان، لذلك يُعتبر توقيعها بياناً وزارياً يتضمّن تشريعاً لعمل «حزب الله» أمراً غير وارد.
وللتذكير فقد شهد لبنان منذ الهزيمة العربية عام 1967 أزمات حكومية وسياسية وأمنية بسبب «انفلاش» السلاح الفلسطيني، فكان توقيع اتفاق «القاهرة» عام 1969 بداية لحلّ أزمة حكومية، فحلّت تلك الأزمة، لكن الفلسطيني وسّع رقعة انتشاره وقضم سيادة البلد. وعند وقوع اشتباكات بين الفلسطينيين والجيش عام 1973 تعطّل عمل الحكومة ودخلت البلاد في أزمة كبرى، واستمرّت الأزمات خلال الحرب، وانفجرت أزمة حكومية عام 1986 بعد إسقاط الرئيس أمين الجميل وقائد «القوات» سمير جعجع و»الجبهة اللبنانية» الاتفاق الثلاثي الذي رعته دمشق.
وبعد الانسحاب السوري عام 2005، كان يحصل إشكال على صياغة البيان الوزاري، وكانت الفتوى «حق لبنان في المقاومة وتحرير أرضه»، وهذه العبارة يستعملها «حزب الله» لتشريع أعماله العسكرية. وفي حين يُقصد بعبارة المقاومة مقاومة إسرائيل، إلّا أن «حزب الله» يعمل ضمن إطار وحدة الساحات ويقاتل في سوريا والعراق واليمن، وأينما استدعت المصالح الإيرانية أن يكون موجوداً، كل تلك المعطيات تجعل من الصعب على «الحزب» تمرير تشريع سلاحه في أي بيان وزاريّ، لذلك فقد فتح «كوع الكحّالة» النقاش على مسلّمات جديدة من ضمنها ضبط السلاح غير الشرعي.