تتجه الأنظار الأسبوع المقبل إلى جلسة مناقشة البيان الوزاري وما سيرافقها من احتجاجات شعبية قد تصل إلى حدّ محاولة قطع الطريق أمام النواب وفرض الطوق على المجلس النيابي.
في 19 تشرين الثاني من العام الماضي ضرب الثوّار ضربتهم، وطوّقوا مجلس النواب مانعين من يفترض بهم أن يمثّلوا الشعب من الوصول إلى المجلس، يومها كانت الثورة في أشدّها والبلاد تسير بلا حكومة، ولا موعد محدداً للاستشارات النيابية الملزمة.
ولا تزال هذه الحادثة عالقة في أذهان الناس، خصوصاً أنها كسرت حصانة النوّاب وأسقطت الحرمات والخطوط الحمراء المرسومة حول رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يُعتبر الركن الأساسي في المنظومة التي حكمت لبنان منذ عام 1990 وأوصلته إلى الهاوية.
الظروف تتغيّر وتتبدّل بسرعة في لبنان، إذ إن الحكومة الجديدة تريد أن توحي للداخل والخارج على حد سواء أن بامكانها ضبط الوضع أمنياً واقتصادياً، ولم يكن حائط “الذلّ والفصل” في محيط المجلس حسب وصف الثوّار إلا خير تعبير عن حالة الخوف التي تعيشها السلطة الحاكمة.
ومن الآن حتى موعد انعقاد جلسة الثقة الأسبوع المقبل يتحضّر الحراك الشعبي ليواجه ما يعتبره تمرير الجلسة وإعطاء الشرعية لحكومة لا تمثّل مطالب الشارع.
ومن بين السيناريوات المطروحة، محاولة الثوّار قطع الطرق المحيطة بالمجلس ومنع النواب من الوصول إلى قاعة الإجتماعات، وهذا الأمر دونه محاذير كثيرة.
وفي حين تعيش الساحة السياسية مرحلة تبريد بعد ولادة الحكومة، تعتبر مواقف “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” والحزب “التقدمي الإشتراكي” مُهادنة من هذه الناحية، كما أنه لا توجد حتى الساعة مواقف خارجية واضحة وصريحة رافضة لحكومة الرئيس حسان دياب على رغم عدم ترحيب الخليج والولايات المتحدة الأميركية بها.
وكان موقف “القوات اللبنانية” الذي سيشارك في جلسة البيان الوزاري ويحجب الثقة عن الحكومة أثر كبير في تراجع سيناريو منع النواب من المشاركة في الجلسة، إذ إن مناصري “القوات” يُعتبرون الأكثر تنظيماً وحضوراً وقادرين على المواجهة على الأرض، وبالطبع فان غياب قوّة شعبية منظّمة عن مسرح الحراك الشعبي في محيط مجلس النواب سيخفف من وهج المواجهة المرتقبة، وبالتالي فلن يقدم حزب “القوات” على قطع الطريق على نوابه إلا إذا تبدلت المعطيات من اليوم إلى الأسبوع المقبل وقرر الإحجام عن المشاركة في الجلسة.
أما المعطى الثاني الذي سيواجه الثوّار فهو الطوق الأمني المفروض حول ساحة النجمة، إذ إنه بات من الصعوبة تحقيق ما تم تحقيقه في 19 تشرين الثاني وسط قرار أمني واضح بتأمين انعقاد الجلسة.
وما زاد الأمر صعوبة هو تولّي الجيش مسؤولية تأمين الطرق المحيطة بالمجلس، وهذا الأمر دونه محاذير عدّة، أبرزها أن الثوّار لا يريدون وقوع صدام مع الجيش وحرف الأنظار عن المواجهة الأساسية مع السلطة، كما أن الجيش الذي يحرص على حماية المواطنين لا يمكنه مخالفة القرار السياسي وإلا سيعتبر ذلك تمرداً.
وتؤكّد مصادر أمنية أنّه “من اليوم الأول لاندلاع الثورة فان الأجهزة الأمنية تشدد على حماية المواطنين ومنع الإعتداء على الأملاك العامة والخاصة، ومن هنا تأتي مسؤولية حماية الإستحقاقات الدستورية، فلا منع للمواطنين من التظاهر في الساحات أثناء انعقاد الجلسة، لكن من دون أن يتحوّل الأمر إلى أعمال شغب ومواجهات أمنية”.
وعلى رغم كل تلك الموانع السياسية والأمنية التي تقف في وجه تطويق المجلس النيابي، إلا أن قسماً كبيراً من الثوار يصرّون على هذه الخطوة حتى لو لم تأتِ بثمارها.
وفي السياق، فان الوقائع تشير إلى أن المجموعات المعترضة تنظّم صفوفها في كل المناطق من أجل التصدّي ليوم الثقة، وسيتركز النشاط في وسط بيروت من دون أن يشمل حالات قطع طرق في مناطق عدّة وذلك من أجل عدم تشتيت القوّة.
ويتفق الثوار في ما بينهم على خطّة لن يكشفوا عنها من أجل التواجد في محيط المجلس، مرجحين وقوع صدامات مع الأجهزة الامنية في حال استعملت القوّة، في وقت لا يريدون أن تتجه الأمور إلى هذا المنحى.
ويتمّ التنسيق بين كل المناطق، من بيروت وجل الديب والزوق إلى طرابلس والشمال والبقاع والجنوب من أجل توزيع المهام في ما بين المتظاهرين. في وقت يؤكد الثوار أنهم لن يخافوا ولن يتراجعوا حتى لو أكملت السلطة في الإستدعاءات القضائية والتوقيفات.
ومن جهة اخرى، يراهن الثوار على التجاوب الشعبي، إذ إن عملية فرض الطوق على المجلس لا تتمّ إذا كانت الأعداد قليلة لأنه عندها يتم أخذهم “بالمفرّق”، في حين أن القوى الأمنية لا تستطيع الدخول في مواجهة إذا كانت أعداد المتظاهرين كبيرة.
ولا يبدي ثوّار طرابلس والشمال خوفاً من التظاهر في محيط المجلس على رغم التدابير الأمنية المشدّدة، لكن العرقلة الأساسيّة هي في الحواجز التي توضع عند كازينو لبنان وقبل نهر الكلب وذلك من أجل إعاقة تقدمهم باتجاه بيروت، حيث لا مفرّ من المرور في هذه النقاط على الأوتوستراد الساحلي، في حين أن الأجهزة لن تتمكّن من الحدّ من نشاطهم انطلاقاً من الشمال.
وأمام كل هذه التحديات، فان الكلمة الأساس تبقى للشارع، في حين أن الثقة البرلمانية هي كناية عن رقم لا يصرف في مكان، فيما لا يمكن لأحد توقّع ماذا ستكون عليه ردّة فعل الشارع وطريقة تدحرج المواجهة في ظل العجز عن معالجة الملفات التي ترهق كاهل المواطن، مع بيان وزاري لا يلبي طموحات الشعب.