يتجاهل طبّاخو الحكومة، حتى الآن، اعتبارات «فوق العادة»، من الصنف السياسي التي قد تحول في لحظة ما دون حصول الولادة الطبيعية.
يحمّلون نزاع الحقائب والأحجام والأعداد مسؤولية العرقلة والتأخير، ولو أنّ المهل السياسية لمشاورات التأليف لا تزال ضمن هامشها «الكلاسيكي» الذي قد تحتاجه المفاوضات.
إذ يحرص أهل الحلّ والربط على عدم تجاوز مربّع خصوصيات التأليف التقليدية، فيعزلون العوامل الخارجية الملتهبة التي في استطاعتها أن تشعل النار في الهشيم اللبناني. كيف لا وناره تحت الرماد.
لكنّ «إقحام» رئيس الجمهورية ميشال عون في هذه اللحظة الدقيقة، ملف الحوار مع سوريا في قلب الحدث السياسي ليصير جزءاً من النقاش غير المباشر بين القوى المتخاصمة، من شأنه أن يرفع وتيرة السجال العابر للاصطفافات، خصوصاً وأنّ الجميع مدرك أنّ هذا الملف سيكون عاجلاً أم آجلاً على طاولة الحكومة العتيدة. والبيان الوزاري أولى المحطات الصدامية.
إذ يتصرّف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وفق أحد المطّلعين على موقفه، وكأنّ لبنان معزول عن محيطه الغارق في رماله المتحركة، فيحصر الخلافات بالزواريب الداخلية وتحديداً عى مستوى نوعية الحقائب وأحجام الجالسين من حوله. أما غير ذلك فيدير له الأذن الطرشاء.
التزم الرجل خيار «النأي بنفسه» عن النيران المشتعلة من حوله خصوصاّ وأنّ «سياسة النعامة» حمت حكومته الأولى في عهد الرئيس ميشال عون وساعدتها على عبور معمودية الخلاف حول المسألة السورية، التي تكاد تكون الوحيدة التي تبقي معيار الفرز السياسي بين 8 و14 آذار.
لكن يبدو أنّ منسوب الحساسية قد يرتفع إذا ما جرى فرض البند السوري باكراً على الأجندة الحكومية، كما يرى المطّلعون، ليضيف عقدة سياسية على العقد الموجودة أصلاً والمتصلة بتوزيع الحقائب والأحجام.
ويكفي التوقف عند البيان الأخير لـ»مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» لفهم الإحراج الذي قد يشعر به رئيس الحكومة تجاه المظلّة الدولية التي لا تزال تحصّن موقعه في المعادلة الدولية، إذ كان لافتاً في البيان المشترك «تطلّع المجموعة إلى العمل مع الحكومة الجديدة وهي تتابع إلتزاماتها الدولية، بما في ذلك ضمن القرارات 1559 (2004) و1701 (2006) لبسط سلطة الدولة اللبنانية على كافة الاراضي الوطنية ولتأكيد حصرية الدولة في الاستخدام الشرعي للقوة. كما نتطلّع إلى استئناف الحوار بقيادة لبنانية في اتّجاه استراتيجية وطنية للدفاع في فترة ما بعد الانتخابات، على النحو الذي حدّده رئيس الجمهورية في بيانه الصادر في 12 آذار. كما سيكون ذات أهمية كبيرة، من أجل إستقرار لبنان، أن تواصل الحكومة الجديدة اتّخاذ خطوات ملموسة في تنفيذ سياسة النأي بالنفس وفقاً لإعلان بعبدا (2012)».
وبرأي هؤلاء، فإنّ البيان مؤشر واضح الى السقف العالي الذي يرفعه المجتمع الغربي تجاه الحكومة اللبنانية، تُضاف إليه سلّة الشروط التي بدأت تتسلّل على ألسنة بعض الدبلوماسيين الغربيين، منها مثلاً عدم ترحيبهم إسناد وزارات أساسية لـ»حزب الله»، ومنها حقيبة الصحة بحجة الاتّفاقات التي يعقدها لبنان مع منظمات دولية التي قد تحرج هذه المنظمات اذا ما اضطرت الى التعامل مع وزير الصحة «الحزبلاوي».
ولكن في المقابل، يرى أحد الوزراء المشاركين في الطبخة الحكومية، إنّ الملف السوري لن يكون عاملاً معرقلاً أو تفجيرياً لملف التأليف خصوصاً وأنّ التنسيق الحاصل بين لبنان، سواءٌ عبر القناة الرسمية التي يمثلها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، أو غير الرسمية التي يقوم بها بعض المسؤولين بصفتهم الشخصية، يتم بعلم كل القوى السياسية، الحليفة لسوريا والخصمة على حدّ سواء. ومن الطبيعي أن تتمدّد المرحلة السابقة، لتكون سمة المرحلة المقبلة بعدما قرّر المتخاصمون التعايش تحت سقف واحد بمعزل عن الانقسام حول هذه المسألة.
بالتالي إنّ اثارة ملف الحوار مع دمشق، لن يزيد من شروط الضغط على مشاورات التأليف، وهو أكبر من أن يثير إشكالية حول البيان الوزاي، حيث ترجّح المعلومات أن يُصار الى صياغة بيان شبيه ببيان حكومة العهد الأولى. يومها لم «تتسلّل» سوريا الى متن النص إلّا من «بوابة» النازحين حيث أكد البيان «التزامَ الحكومة مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري… وهي تعتبر أنّ الحلّ الوحيد لأزمة النازحين هو بعودتهم الآمنة الى بلدهم ورفض أيّ شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم في المجتمعات المضيفة والحرص على أن تكون هذه المسألة مطروحة على رأس قائمة الاقتراحات والحلول للأزمة السورية».