يأتي البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري كاستحقاق ثانٍ بعد التأليف، في حين تتّجه الأنظار الى إمكانية أن يتضمّن عبارة «مقاومة» من عدمه، خصوصاً أنّ تسلسل الأمور يظهر قدرة «حزب الله» وفريق «8 آذار» على فرض شروطه بعد معركة حلب.
أنجزت الولادة الحكومية ضمن المهلة المقبولة نسبياً، في حين أنّ الحكومات السابقة كانت تحتاج قرابة السنة لتتألّف، لكنّ استعجال الحريري وموعد الانتخابات النيابية الداهم، دفعا إلى وَقف المماطلات، وكسر العصي التي حاول البعض زرعها في الطريق.
تلتقط الحكومة في قصر بعبدا اليوم الصورة التذكارية في حضور رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء، من ثمّ تعقد جلستها الأولى برئاسة العماد ميشال عون، لتشكّل بعدها لجنة صياغة البيان الوزاري، الذي يفترض بدوره أن يلتقط صورة تذكارية بعد إقراره لأنّ أحداً في الحكومات السابقة لم يلتزمه، كما أنّ غياب المحاسبة والمساءلة سمح لمجلس الوزراء بالخروج عنه، فيما أدّى غياب المحاسبة الشعبية للنواب الى الفلتان الذي نعيشه اليوم.
منذ عام 1990 وحتّى 2005، كانت البيانات الوزارية تصاغ بسرعة نظراً للاتفاق على السياسات العامّة التي كانت ترسمها الوصاية السورية، وتكرّست فيها عبارة «جيش وشعب ومقاومة». أمّا في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بعد انتفاضة الإستقلال وعلى رغم الخلاف مع «حزب الله» وخروج الإحتلال السوري وانتصار فريق «14 آذار» شعبياً ونيابياً، فقد عادت هذه العبارة الى صلب البيان الوزاري في تموز 2005 بسبب مفاعيل الحلف الرباعي، والتفاهم الإسلامي العريض بين تيار «المستقبل» والحزب التقدّمي الإشتراكي و«حزب الله» وحركة «أمل».
وأكد البيان الوزاري آنذاك أنّ «المقاومة اللبنانية هي تعبير صادق وطبيعي عن الحقّ الوطني للشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الإسرائيلية، والعمل على استكمال تحرير الأرض اللبنانية».
شهدت الساحة اللبنانية في السنوات العشر الماضية تغيّرات كثيرة، فمن تموز 2005 الى آذار 2014 تاريخ صدور البيان الوزاري لحكومة
الرئيس تمام سلام، تبدّلت المصطلحات وتطورت، حيث أكّد البيان الوزاري لحكومة سلام «واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتّى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في «مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
كل تلك الاحداث والبيانات لم تبدّل شيئاً من الواقع على الأرض والذي يُحكم بميزان القوى المنتصرة، لكنّ الثابت الوحيد هو أنّ الدولة بقيت غير قادرة على ضبط ما سمّي بالمقاومة أو أقله التنسيق معها، إذ خاض «حزب الله» حرب تموز 2006 من دون علم الحكومة، وانتهى الأمر الى إقرار القرار 1701، ثمّ نفذ الحزب عملية 7 أيار في الداخل عام 2008، قبل أن يشارك في الحرب السورية علناً ويقيم استعراضات عسكرية كجيش نظامي في القلمون بعد انتخاب رئيس الجمهورية بأيّام.
ومن هذا المنطلق، يؤكد بعض الأوساط المشاركة في الحكومة أنّه «مهما كان مضمون البيان الوزاري وشكله، فإنّ القديم سيبقى على قدمه، إذ إنّ «حزب الله» يستمرّ في سياسته، إن كانت الداخلية أو الخارجية، من دون أخذ رأي الدولة اللبنانية».
وتشير الأوساط الى أنّ «ما يمكن فعله حالياً هو الإلتفات الى وضعنا الداخلي والتفكير بحلول جديّة لبعض المشاكل، لأنّ قضية سلاح «حزب الله» هي إقليمية بامتياز وتدخل فيها عوامل عدّة ولا يمكن انتظار حلها لننصرف الى حلّ المشاكل الداخلية».
وفي حين غابت عبارة «شعب وجيش ومقاومة» عن خطاب القسم للرئيس عون، تدعو أوساط «المستقبل» الى اعتماد هذا الخطاب في البيان الوزاري «لأنه نال رضى الجميع، ولكي لا ندخل في جدل كلامي حول المفردات واللعب عليها مثل حق لبنان بالمقاومة، أو حق المقاومة في لبنان ومصطلحات أخرى، خصوصاً أنّ المواعيد داهِمة، والإنتخابات النيابية باتت قريبة».
وتلفت الى أنّ «الحريري أبدى ليونة وقدّم تنازلات كثيرة من أجل إنقاذ البلد، ولن يقف عائقاً أمام البيان الوزاري، لكنه لن يقبل بالتخلي عن الثوابت وتشريع عمل «حزب الله» الذي يقتل أهالي حلب ويهجّرهم وتخطّى حدود المقاومة المعروفة في الجنوب، فتلك ليست بمقاومة».
من ناحية أخرى، يدعو «التيار الوطني الحرّ» الى تبنّي خطاب القسم أيضاً، معتبراً أنّ عون يُشكّل ضمانة الجميع، ولا يجب فتح جدل الآن بينما البلد في أمسّ الحاجة لانطلاق عمل الحكومة.
أمّا «القوات اللبنانية» فتؤكّد أنّ «دخولها الحكومة لن يكون للبَصم لـ«حزب الله» على حروبه الخارجية تحت شعار المقاومة، والجميع يتذكّر انّ «القوات» تحفّظت على البيانات الحكومية السابقة التي شَرّعت عمل «حزب الله»، وبالتالي موقفها لن يتغيّر في هذا الصدد»، موضحة «أنّ الدخول الى الحكومة لا يعني القبول بالتعايش بين منطقَي الدويلة والدولة، بل إنّ دخولنا هو لتكريس منطق الدولة وعدم ترك الساحة للحزب».
يعيش «حزب الله» و«8 آذار» لحظة انتصار بسبب حسم معركة حلب، في حين يظهر فريق «14 آذار» بمظهر الخاسر والمستسلم والمُفكّك، علماً أنّ الحرب السورية لم تنتهِ بعد، وحلب تشكّل جولة من حرب طويلة لن تنتهي قريباً، وليست كل الحرب.