IMLebanon

مجلس وزراء يحتاج إلى رئيسه

عادت حكومة الرئيس تمام سلام الى الاجتماع بأسلوب عمل مختلف، اكثر منه تغيير آلية ادارتها. لم يعن انقطاعها عن الالتئام اسبوعين انها في مواجهة ازمة استمرار، ولا أظهر اي من افرقائها استعداداً للتلاعب بمصيرها

عندما اطلع من الوزير غازي زعيتر على حصيلة مداولات جلسة الخميس الفائت وأسلوب العمل الجديد الذي أُدخِلَ على جلسات مجلس الوزراء، لم يرَ رئيس مجلس النواب نبيه بري في البنود الجديدة المتفق عليها لادارة الجلسات، حلّ مشكلة كمنت في اسباب اخرى مغايرة. كان قد اوعز الى وزيريه علي حسن خليل وغازي زعيتر التحفظ عن كل ما يتعارض مع تطبيق المادة 65 من الدستور القاضي باعتماد التوافق اولاً، ثم التصويت على القرارات. في نهاية المطاف لم يشأ بري تحفظه مبرّراً لعرقلة عمل الجلسات، وتحدث عن تمسّكه بالمادة 65 باباً وحيداً لولوج قرارات مجلس الوزراء.

حتى الامس القريب، كاد التمييز الوحيد بين موقفي بري والرئيس تمام سلام ان رئيس المجلس يجد التوافق محطة اولى ضرورية يوجبها الدستور اساساً في آلية اتخاذ القرارات، لكنه لا يكتفي بها، بينما يريده رئيس الحكومة محطة اولى ونهائية حرصاً على تماسك حكومته وتضامنها الى ان جبه ازمتها الاخيرة.

افضت جلسة الخميس الى تثبيت وجهة نظر سلام في مجلس للوزراء مزدوج المهمة بعدما عُهد اليه في صلاحيات رئيس الجمهورية مذ شغر المنصب قبل نحو عشرة اشهر:

1 ــــ قد تكون المرة الاولى تختبر الحكومة حاجتها الماسّة الى رئيسها وأسلوب عمله. بعض وزرائها ممّن شاب علاقتهم بسلام تباين عابر فاتحوا الرئيس سعد الحريري بها، فاكتفى بعبارة كانت كافية كي تمرّر الى وزرائه جميعاً، كما الى حلفائه في الحكومة: لستُ انا رئيس الحكومة. هناك رئيس للحكومة تفاهموا معه. مثّلت العبارة دعماً اضافياً لسلام، يلاقي ما يردده باستمرار وزير حزب الله محمد فنيش عنه: ينبغي ان ندير بالنا عليه.

بأناقة استفاد رئيس الحكومة من مؤشرات اضافية الى تقاطع الاصرار على حماية حكومته، وعلى دوره أولاً بأول في المرحلة الاستثنائية الطويلة: مرة عندما علّق اعمال مجلس الوزراء، واخرى عندما انضم الوزراء الى وجهة نظره.

2 ــــ يتوخى سلام ادارة جلسات مجلس الوزراء كما لو ان رئيس الجمهورية يحضرها، بالتعويل على التوافق اساساً في اتخاذ القرارات وتفادي التصويت. أسلوب فضّله الرؤساء المتعاقبون تجنباً لانقسام مواقف الكتل الوزارية. ما خلا حالات اقترنت بخلافات سياسية، وفي الغالب بتباين بين رئيسي الجمهورية والحكومة، شفع وجود رئيس الدولة على رأس طاولة مجلس الوزراء ببت القرارات توافقا او تأجيلها الى وقت لاحق.

3 ــــ يفرّق سلام بين قرارات لا يسع مجلس الوزراء اقرارها سوى بالتوافق، وترتبط بتوازنات سياسية داخلية او بملفات حساسة ذات ابعاد ميثاقية، وبين قرارات عادية لا تحتاج الى مثل هذا النصاب السياسي الموصوف وان عارض اكثر من وزير ينتمي الى اكثر من كتلة وزارية. وهو مغزى تحدّثه عن معادلة «التوافق لا التعطيل»، وعنت حتمية الانتقال من التوافق الى التصويت بعد استنفاد جهود الاقناع. على انه اكد رهانه على التوافق.

كان رئيس البرلمان ابصر هذه المعادلة تنصف وجهة نظره التي اطلقها منذ اليوم الاول للشغور الرئاسي: مع التوافق الى ان يصطدم بالتعطيل، عندئذ لا مناص من الاحتكام الى التصويت.

4 ــــ يأخذ رئيس الحكومة على عدد من الوزراء دخولهم قاعة مجلس الوزراء من دون ان يكونوا قد اطلعوا على جدول اعمال زُوِّدوا اياه قبل 72 ساعة، ما راح يغرق الجلسة في سجال وجدل طويلين يُهدران معظم الوقت على شرح بنود مدرجة في جدول الاعمال قبل بلوغ اقرارها، واحيانا يتعثر للاسباب تلك بتها.

توقيع الوزراء جميعاً واجب في المراسيم العادية، لا في قرارات مجلس الوزراء

لم يعن اصرار سلام على حصر عمل مجلس الوزراء بثلاث ساعات سوى «ترويض» هذا الطراز من الوزراء على الافادة المجدية من الوقت والعمل المثمر. وهو ما فعله في جلسة الخميس حينما رفع الجلسة بعدما نظر الى ساعته وتأكد من انقضاء الساعات الثلاث على بدء الجلسة.

5 ــــ رغم انها لا تدخل في نطاق تذمره على غرار التصويت على القرارات، يدعم رئيس الحكومة الآلية المعتمدة لتوقيع القرارات تلك واصدارها ما ان ينتهي مجلس الوزراء من اقرارها والتحوّل «هيئة رئيس الجمهورية». لا يعترض على توقيع الوزراء الـ24 مراسيم القرارات متى كانوا حاضرين الجلسة، الا انه لا يجد هذا العدد واجباً ملزماً وسبباً لتعليق صدور المراسيم الى ان يصير الى توقيعها. على نحو ما تنص عليه المادة 56، وهو صدور مرسوم امتنع رئيس الجمهورية عن طلب اعادة النظر فيه او توقيعه وفق المهل المنصوص عليها في المادة تلك، ليس للوزير استخدام صلاحية اوسع نطاقاً لم تُعطَ للرئيس.

يرى سلام ان ما يصحّ في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء يصحّ كذلك في القرارات العادية ــــ الادنى اهمية ــــ اذ تكتفي بتواقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير او الوزراء المختص. سرعان ما اصطدمت وجهة النظر هذه بأخرى معاكسة. ساق الحجة المعاكسة وزراء ربطوا بين توقيع رئيس الجمهورية المراسيم العادية وصدورها، بحيث يتعذر اصدارها ونشرها ما لم تقترن بتوقيعه، على نحو مغاير تماما لما نصت عليه المادة 56، خصوصا وان المادة 54 تحتم اقران توقيع رئيس الجمهورية بتواقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير او الوزراء المختصين.

يلاقي بري وجهة النظر هذه بالقول بوجوب توقيع الوزراء جميعا المراسيم العادية حصرا التي لا تمر بمجلس الوزراء، ما دامت صلاحيات رئيس الجمهورية انتقلت اليهم وكالة ومجتمعين، ولأن المرسوم لا يصدر بلا توقيعه او توقيعهم. في حال الشغور يمسي اكتمال توقيع الوزراء جميعا رئيس الجمهورية حاضرا.