ظريفة هي هذه الحكومة… كان ينقص حكومة الشهرين، ثلاثة أن تستمتع بالكراسي ثلاث سنوات… والآتي أطول! بعض الذين كانوا على موعد مع الحظ وأصبحوا وزراء في هذه الحكومة يلقون باللوم على »الوضع« كي يحاولوا تبرير فشلهم أفراداً وجماعة.
فـ»الوضع لا يسمح!«!
و»مش شايفين الوضع؟«!
و»كيف بدك نشتغل والوضع ضاغط؟«.
و»يا عمي ما حدا بيرحمنا، ما بيكفينا الوضع اللي قاطع علينا كل طريق للشغل؟«!
و »الحقيقة عندنا استعداد كامل بس الوضع (…)«.
هذا الكلام، وسواه الكثير، نسمعه عندما تطرّز وجوه بعض الوزراء شاشات التلفزة، فيتكرمون علينا بالطلّة البهية، والثغور الباسمة قليلاً، والعابسة كثيراً، وآثار التعب، أجل التعب من قلّة الشغل، بادية على ملامحهم. أما »البلاغة« في الكلام فحدّث ولا حرج… إذ »الشباب« وكأنهم يسندون السماء بأكتافهم… ولو زاحوا قليلاً، لا سمح اللّه، لطربقت الدنيا على لبنان واللبنانيين، كان اللّه في عوننا جميعاً وألهم أصحاب المعالي مزيداً من الصبر علينا، ومن التضحية إزاء »الوضع« … جزاهم اللّه خيراً على جهودهم وصبرهم وتضحياتهم!
وعندما تلتقي أحدهم »تحت الهواء« (أي بعيداً عن التفضّل بالإطلالة علينا عبر أثير التلفزيونات والإذاعات وحبر الجرائد والمجلات). وتسأله: يا معاليك تتحدّثون كثيراً عن الوضع… فما هو هذا الوضع؟!.
ومعاليه لا ينتظر كثيراً، ولا يتلكأ، ولا يتردّد، ويبدأ شارحاً كيف أنه لا يقدر أن ينتج لأن ولاية باراك أوباما صارت في آخر أشهرها، ولأنّ الرهان قد يبدو صعباً على هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب ومن منهما سيتربع في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض. ولأن حرب اليمن لم تضع أوزارها بعد، ولأنّ »داعش« ينقل ارهابه الى مختلف انحاء المعمورة، ولأنّ رجب طيّب أردوغان لم ينه برمته بعد التي لا تكتمل إلاّ بلقاء آخرين كما التقى فلاديمير بوتين وحسن روحاني، ولأن بشار الأسد ذاته لم يُعرف بعد ما إذا كان سيمدّد بقاءه في الرئاسة أو لا يمدد، ولأنّ معركة جرابلس فتحت الباب على طرح مصير الأكراد و»يجب« انتظار هذا المصير (…).
وتجد نفسك مضطراً لمقاطعة هذه السفسطة المتمادية، فتقول لمعاليه: ولكن ما دخل »الوضع« وما تقدم كله في عدم تصليح طريق هنا، أو عدم نزول الماء في حنفية هناك، أو وقف إنقطاع الهاتف التلفوني هنالك وسائر الهفوات التلفونية (…) أو عدم وصول التيار الكهربائي الى هنا وهناك وهنالك، وجشع اصحاب المولدات، وضبط الشهية المفتوحة على الصفقات المخزية التي تتصاعد روائحها الكريهة أكثر وأعلى من روائح النفايات التي تتحمل هذه الحكومة المسؤولية الكاملة عنها…
وتسأله أيضاً: ولكن هذا »الوضع« لم يمنع نهاد المشنوق من إجراء إنتخابات بلدية مثالية وتنفيذ بضع خطط أمنية، ولم يمنع سجعان قزي من تهديد السويد، ولم يمنع جبران باسيل من عقد مؤتمرات بالغة الأهمية، ولم يمنع الياس بوصعب من خطوات جذرية في مجال التربية، ولم يمنع ريمون عريجي من أن يكون مدار تقدير من الأطراف كافة، ولم يمنع علي حسن خليل من إنجاز مشروع الموازنة العامة… الى مَن هنالك مِن بضعة وزراء نشطين…
معاليه يضحك في عبّه من سذاجتك، ويكتفي بأن يقول لك: العملية بدّها شرح طويل… وربما الوقت لا يتسع!.