مع استمرار التحلّل الداخلي على كل المستويات، بدأت تنكشف لمن دخلوا حديثاً الى السلطة من البوابة الوزارية، أهوال الانهيار وتداعياته المتدحرجة، فيما القدرات المتوافرة لمواجهته هزيلة و»رمزية»، خصوصاً انّ أصحاب الشأن والقرار يتفننون في جلد الذات.
قبل ولادة الحكومة الحالية، كان الشغل الشاغل للبنانيين في تلك المرحلة الانتظارية هو العثور على جواب للسؤال الآتي: متى ستتشكّل؟
كان كثيرون يفترضون انّ وجود حكومة أصيلة سيسمح ببدء معالجة همومهم، وسيحقق انفراجاً سياسياً بعد طول احتباس، وسيمهّد لإطلاق خطة الإنقاذ الاقتصادي وسيعيد الدولار الى حجمه الطبيعي.
ربما يدرك أغلب اللبنانيين في قرارة أنفسهم، انّ تحدّيات الأزمة الراهنة باتت أكبر من أي سلطة، إلّا انّهم يصرّون على البحث وسط الأنقاض عن خيط أمل يُمسكون به، مهما كان رفيعاً، فافترضوا انّهم سيجدون ضالتهم في حكومة «معاً للإنقاذ» وسط ضآلة الخيارات المتوافرة.
لكن مفعول الصدمة الإيجابية للحكومة لم يدم طويلاً، وما كاد الدولار ينخفض قليلاً بعد ولادتها حتى عاد الى الصعود الكاسر للأرقام القياسية، مترافقاً مع تفاقم المعاناة الاقتصادية والاجتماعية. أما الخرق السياسي الذي أحدثه التشكيل في حينه، فسرعان ما تلاشى تحت وطأة التعقيدات الداخلية والاصطفافات الحادة، بل انّ الحكومة نفسها دفعت ثمن هذا الواقع وتعطّلت لاحقاً بفعل الخلافات المستجدة بين بعض مكوناتها، فاستحالت في حدّ ذاتها مشكلة بدل ان تكون مساهِمة في صنع الحلول.
وخيبة الأمل لا تقتصر على من كان يستبشر خيراً بالحكومة، بل انّ شيئاً من الإحباط تسرّب الى داخل صفوفها أيضاً، نتيجة الوضع المأساوي الذي وصلت اليه الدولة عموماً، على وقع السقوط المدوّي الذي فتّت مقوماتها وحوّل بنيانها ركاماً.
وضمن هذا السياق، يكشف وزير في مجلس خاص، أنّه اكتشف عندما دخل الى السلطة انّ كل شيء منهار ولم يعد يوجد حدّ أدنى من مقومات او هيكل الدولة.
وأضاف متهيباً واقع الحال: «البعض لا يعرف حقيقة الظرف الذي تمرّ فيه المؤسسات الرسمية من وزارات وادارات، واننا نتفادى البوح بكل ما نعرفه لكي لا نسبب هلعاً في صفوف اللبنانيين، وبصراحة نحن نحتاج إلى الدعاء في جوف الليل حتى نصمد في مواجهة الأزمة ونستطيع إخراج لبنان منها».
ويلفت الوزير «المذهول» إلى انّه لا يوجد ما نحتاجه من المال لتشغيل الوزارات، «والمتعهدون لا يبدون حماسة لتنفيذ المشاريع لأنّهم سيقبضون اتعابهم بالليرة اللبنانية التي يعتبرون انّها أصبحت بلا قيمة مهما كان حجم المبلغ الذي سيتقاضونه».
ويروي بأسى انّ وزيراً آخر اتصل به واشتكى له كيف انّه لا يستطيع تنفيذ أمور بديهية تتعلق بوزارته نتيجة ضحالة القدرات المادية.
ويشير الى انّ دوائر الوزارة التي يتولاها لا تعمل سوى يومين فقط في الأسبوع ولساعات قليلة بسبب عجز الموظفين عن المجيء يومياً ربطاً بارتفاع اسعار المحروقات، «علماً انّ لا قدرة لدينا على تشغيل المولّد الخاص الّا لوقت قصير نتيجة تقنين المازوت وكلفته الباهظة، وهذا الواقع يضطرني الى ان اغيب عن مكتبي يومي الجمعة والسبت».
ويعتبر الوزير «المصدوم» انّ أحداً لا يستطيع أن يضمن مستقبل سعر الدولار وسط انعدام الوزن الحالي، وكل الاحتمالات واردة. مبدياً أسفه لكون البعض لا يزال على رغم هذه الظروف الصعبة يكابر ويتصرف بعنجهية سياسية، من دون أن يأخذ في الحسبان انّ اولويات المواطنين أصبحت في مكان مختلف، وانّ المرحلة تتطلب تضحيات وتنازلات.