ذهب وزير “الأقوال”… فهل سنرى أفعالاً؟
فلنبدأ من الآخر، من ذهاب وزير ومجيء آخر، فهل نحن في بداية تربوية جديدة أم في إستجرار لمرحلة سابقة ملبدة قاتمة؟ وهل سيكون عباس الحلبي على “هوا” طارق المجذوب “طارئاً” على التربية أم سيكون القاضي – الفصل في ترجمة الأفكار الى “أفعال” حقيقية لا التلهي بالأقوال؟
عيونٌ كثيرة شاخصة نحو وزارة التربية في وقتٍ يدرك الجميع صعوبة، كي لا نقول إستحالة، طمأنة المعنيين في الشأن التربوي بأن الأيام العجاف إنتهت وأياماً “وردية” آتية. فالتلميذ ضائع والأستاذ “ملبك” والأهالي في ضياع هائل. فهل الوزير الحلبي يملك عصا سحرية قادرة أن تُبدّل كل المشهد؟
عباس الحلبي هو أكثر من يعرف أن العصا السحرية ليست موجودة إلا في الروايات العتيقة لكنه يطالب “بفرصة وببعض الوقت”. مطلبٌ قد يكون محقاً في أيام أخرى عادية لكن في الحالة اللبنانية الكارثية “ترف الوقت” انتهى والتلاميذ يلعبون لعبة زهرة المارغريت: في مدرسة، ما في مدرسة، في مدرسة، لا، لا ما في مدرسة… والاهالي يجمعون ما تبقى من قروش بيضاء علّهم يتمكنون من سداد كلفة تعليم أولادهم، إيماناً منهم أن “الزراعة تسدّ الجوع والصناعة توفّر الإحتياجات لكن التعليم يصنع وطناً”.
هل علينا أن نغني بعد مجيء عباس الحلبي ومغادرة طارق المجذوب “يا دارة دوري فينا”؟ هل نحن في دائرة مغلقة مظلمة؟
الملامة الأولى التي يضعها الأساتذة على وزير التربية الجديد قبوله “الظهور الإعلامي” (مسـاء اليوم كما تردد) وذلك قبل أن يكون قد قرأ الملفات التربوية المكدسـة. فعلام سيتكلم؟ وماذا لديه من معلومات معمّقة في هذا القطاع ليقول؟ فيا ليته جلس أسبوعاً كاملاً، سبعة ايام فيه، ليغوص في القضايا والقصص والأزمات التربوية التي لا تعدّ ولا تحصى وبعدها يمكن القول أنه قد “صار الوقت” ليطلّ.
إحتجاز الإفادات
في كل حال، ماذا عن أبرز ما يثقل كاهل كل من الطلاب والأساتذة والأهالي؟
البارحة، وزّعت إحدى كبريات المدارس في لبنان رسالة صوتية عبر مجموعات الواتساب، بلسانِ كبير المسؤولين فيها، موجهة خصيصاً الى طلاب الصفوف النهائية الذين يريدون الإنتقال الى المرحلة الجامعية، في انتظار إستكمال ملفاتهم بإفادة مدرسية تخولهم إتمام معاملات التسجيل. هؤلاء، الطلاب الجامعيون سنة أولى، ما زالوا “On Hold” في انتظار تلك الوثيقة غير أن “الرسالة الصوتية” أنبأتهم أن تلك الوثيقة أصبحت حصراً في أدراج المدارس، ويحصل عليها من يسدد قسط 2020-2021 كاملاً وإلا لا إفادة ولا جامعة. هذا التصرف كان ليعدّ من حقّ المدارس لو كنا في وضع مختلف، لكن، في حالتنا، هل يجوز ذلك؟ هل يحق للمدارس الإتفاق مع وزارة التربية على الإقتصاص من الطلاب الذين لم يسددوا بعد كامل القسط؟ إذا وجهنا اللوم الى إدارات المدارس فسيخرج من بينهم من يقول: ومن أين تأتي المدارس بأجور المعلمين والمعلمات إذا أعفت الطلاب من الأقساط؟ وإذا قلنا أن الحقّ مع تلك الإدارات فسيطلّ من بين الأهالي، ممن فقدوا وظائفهم، من يطالبون بالرحمة رأفة بمستقبل الأولاد. والحلّ؟ هل من حلّ سريع؟ مستقبل عشرات الطلاب على المحك.
يتحدث أحد مدراء المدارس الثانوية عن وجود مجلس تحكيمي يبحث في النزاع بين المدارس والأهالي عند عدم سداد القسط لكن اليوم، كما تعلمون، الطاسة ضائعة. وضروري عند انتقال الطالب من مدرسة الى أخرى، ومن مدرسة الى جامعة، من وجود افادة تؤكد نجاحه ام رسوبه وتضم رقماً موحداً لكل طالب في كل المراحل التعليمية، يعرّف عنه، على أن ترسل المنطقة التربوية في حال حدوث مشكلة من هذا النوع ورقة صفراء الى المدرسة أو الجامعة المنوي الإنتقال إليها، تقول ان هذا الطالب في انتظار قرار المجلس التحكيمي.
المرجع هنا دائرة الإمتحانات ومقرها في بئر حسن. فماذا في تفاصيل ما يتناقله الطلاب ويخشاه الأهالي، من حجز الإفادة التي تخوّل التلاميذ الدخول الى الجامعات الى حين سداد كامل أقساطهم عن العام الدراسي 2020-2021؟
المنطقة التربوية
يتحدث مصدر في دائرة الإمتحانات عن أن وزارة التربية، كما أعلنت في بيان، منحت الطلاب الذين ينوون السفر إفادات مباشرة من قِبلها بعد تقديمهم تأشيرة السفر وبياناً يؤكد تسجلهم في جامعة خارج البلاد، أما الطلاب الذين “صمدوا” هنا وينوون الإنتقال من المرحلة الثانوية الى المرحلة الجامعية وعددهم يلامس 43 ألفاً، فأرسلت إفاداتهم الى المناطق التربوية ومن هناك وُزعت الإفادات على المدارس. ويزيد المصدر: في حال، رفضت المدرسة لأمرٍ ما منح الطالب الإفادة التي حازت عليها، فعلى الطالب التقدم بكتاب الى المنطقة التربوية للحصول على إفادة بدل عن ضائع. والمناطق التربوية موجودة في كل لبنان. المنطقة التربوية في جبل لبنان موجودة في بعبدا، والمنطقة التربوية في الشمال موجودة في طرابلس، وفي الجنوب موجودة في صيدا… فثمة حلول بدل كل الإحباط الذي قد يكون شعر به كثير من طلاب لبنان لأسبابٍ وأسباب.
فليهدأ الطلاب وأهاليهم. ولتهدأ المدارس وإداراتها. فلدى كلِ طرفٍ، في دولة تعرف وزارة تربيتها ماذا تفعل، حلول. لذا، يفترض ألّا تغيب هذه النقطة أبداً على وزير تربية يعدُ بإحداث الفرق. فليضع نوعاً من “الإتفاق” الوفاقي بين المدارس والأهالي بحيث لا يكون الطلاب كبش محرقة المرحلة.
مشاكل أخرى تحوم. “باتت العودة الى المدارس أمراً حتمياً… فماذا يبقى للبنان إذا أقفلنا مدارسنا”. هذا هو آخر ما تفوه به وزير التربية السابق طارق المجذوب. وها هو وزير التربية الحالي عباس الحلبي قد أطلّ في أولى “ظهوراته” ليقول: “لا يمكن إرتكاب خطيئة بحقّ طلابنا وتركهم سنة أخرى في البيت”. ممتاز. الجميع يعي أهمية عودة الطلاب الى مدارسهم لكن هل هذا بالفعل لا بمجرد “القول” متاح؟ قال المجذوب قبل أن يغادر “نسعى لتأمين دعم المعلمين” لكن هؤلاء لم يستشعروا، لا من قريب ولا من بعيد، ذلك. بدليل أن الكلام “التربوي” الذي صدر عن منح الأساتذة بطاقات تخولهم تسهيل تعبئة المحروقات على المحطات ضحك عليها كثيراً العمال البنغلاديشيون على محطات المحروقات، وأحدهم قال لأستاذ ما معناه “بلّ البطاقة واشرب ميّتها”. وبالتالي عند سؤال الأساتذة عن أخطاء وزارة التربية أجابوا: لم تصب وزارة التربية (ووزيرها) بشيء. وليست تعبئة البنزين وحدها المشكلة فمتوسط أجر معاش أستاذ الثانوي لا يزيد عن مليون و800 ألف ليرة لبنانية، أي ما قد يعادل 5 تنكات بنزين. فهل يمكن لأستاذ ثانوي، مربي الأجيال، ان يعلّم من قلب قلبه وباله مشغول على السندات المتراكمة عليه وكلفة الموتور في آخر الشهر وربطات الخبز الى أطفاله؟ فعن أيّ تربية يتحدثون؟ فالتربية ليست “بيزنس” وربح وخسارة بل قلب وكفاءة وضمير ورسالة. فهل يملك وزير التربية الجديد خطة تحاكي هذه المسائل الأربع؟
ما المطلوب إذا؟ ماذا يفترض بمعالي الوزير الحلبي وضعه نصب عينيه؟
طلب المعلمون والمعلمات من “معاليه” ألّا ينهمك بالخطط الطويلة الأمد، الثلاثية والخماسية والسداسية، بل أن يطالب معهم (ولهم) بتصحيح الأجور. هذا حقّ لهم. ويطلبون أيضاً أن يساهم في حصولهم على قسائم بنزين كي يذهبوا ويعودوا من والى مدارسهم. والتفكير بسرعة بكيفية توفير الكهرباء والمازوت الى المدارس. فهل هذا كثير؟ هي أمور بديهية مطلوبة اليوم من وزير تربية أتى ليُصحح. هنا نُذكّر من نسي، أو من لا يعرف، أن 130 مدرسة رسمية فقط لا غير نفذت (مبدئياً) العمل بخطة الطاقة الشمسية من أصل 1300 مدرسة رسمية. ضروري إذا ألا ينسى وزير التربية أن مدة ولايته الوزارية ثمانية أشهر لا ثماني سنوات، لذا فليشطب الخطط “الطويلة الأمد” وليقدّم بسرعة خططاً آنية ارتداداتها طويلة الأمد.
مدارس خاصة عدة فتحت أبوابها. ومدارس خاصة تنوي قريباً فتح أبوابها. ومدارس رسمية لا تعرف “كوعها من بوعها” تفتح أم لا. محمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، لا ينفي أن يكون مصير التعليم مجهولاً والتحديات كبيرة، “فعدد المدارس في لبنان في 2020-2021 بلغ 2896 مدرسة، 36 في المئة منها رسمية و48,8 منها خاصة غير مجانية و11 في المئة خاصة مجانية. وعدد الطلاب، لمن لا يعرف، هو مليون ونصف المليون، بينهم 384,741 طالباً في التعليم الرسمي و514,988 طالباً في التعليم الخاص غير المجاني. وهناك 92 ألف أستاذ بينهم 52 ألفاً في ملاك وزارة التربية. وتتراوح رواتب هؤلاء بين 1,5 مليون ليرة لبنانية و5,2 ملايين ليرة لبنانية كحد أقصى. ولكم أن “تقرّشوا” قيمة هذه الرواتب بالعملة الصعبة لتدركوا فداحة ما يعيشه الاستاذ اليوم. هذه الارقام نضعها اليوم أمام وزير التربية مع سؤال من المعلميـن والمعلمات أنفسهم: فهل يا معالي الوزير يمكن الإنطلاق بسنة دراسية مُثلى برواتب كهذه؟