IMLebanon

الرئيس ترامب يطلق صاروخ “وزارة الكفاءة” الحكومية!

 

«إرادة القوة»، أو إرادة السلطة مفهوم بارز في فلسفة فريدريك نيتشه. تصف إرادة السلطة بما يعتقده نيتشه، أنّه القوة الدافعة الرئيسية في البشر.

يقول نيتشه في كتاب (هكذا تكلم زرادشت) ص 44: (حقاً أقول لكم. إنّ الإنسان نهر قذر، ولا بُدّ أن يكون المرء بحراً ليتقبّل نهراً قذراً من دون أن يغدو متسخاً). نيتشه في هذه العبارة يستخدم الاستعارة لتوضيح الطبيعة البشرية وتعقيداتها بتشبيه الإنسان بالنهر القذر.

إنطلق صاروخ «ستارشيب» العملاق التابع لشركة «سبيس إكس» الثلاثاء 19 تشرين الثاني من ولاية تكساس تحت أنظار رئيس الشركة «وزير الكفاءة الحكومية» إيلون ماسك والرئيس المنتخب دونالد ترامب، في رحلة تجريبية هبط في نهايتها بالبحر كما هو مخطّط له في هذه التجربة السادسة.

 

 

مع الولايات المتحدة الأميركية أو ضدّها على العالم ضبط ساعته على التوقيت الأميركي! عندما أعلن الرئيس ترامب، تعيين الملياردير إيلون ماسك لتولّي وزارة «الكفاءة» الحكومية إلى جانب رجل الأعمال فيفك راماسوماي، في دور يهدف إلى خلق حكومة أكثر كفاءة، ممّا يمنح تأثيراً أكبر لأغنى رجل في العالم الذي تبرّع بملايين الدولارات لمساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات.

 

ووفقاً لما نشرته وكالة «رويترز»، انبرت كبرى وأهم الصحف والمجلات والوكالات الإعلامية والمواقع الإلكترونية بانتقاد هذه الخطوة غير المحسوبة، نظراً لخبرة ماسك غير الجديرة بالتنويه في عمل الحكومات وتداخلاتها العميقة، من دون ذكر أنّ ترامب يريد من إيلون ماسك إصلاح الحكومة أو ابتكار مقصلة إلكترونية على رقاب مَن يعتبرهم دون مستوى الوظيفة.

 

قبل بلوغه الوزارة الافتراضية، أو المفترضة، حذّر ماسك، أغنى شخص في العالم، من أنّ أهدافه – بما في ذلك خفض ما لا يقل عن 2 تريليون دولار من الإنفاق الفيدرالي – يمكن أن تسبّب «صعوبات موقتة»، قبل أن تخلق في نهاية المطاف «ازدهاراً طويل الأجل»، وقد دفعت تصريحاته خبراء الميزانية إلى السخرية، في حين أصابت القشعريرة العمود الفقري للعديد من الموظفين الفيدراليّين ممّن يعتمدون على الحكومة الفيدرالية للحصول على المساعدة أو تمويل معيشتهم.

 

 

طموحات إيلون ماسك كبيرة كما يقول ويردّد، لجعل الحكومة الفيدرالية أصغر حجماً وأكثر كفاءة، من خلال مراجعة ميزانيتها وعملياتها من الأعلى إلى الأسفل. يقول مارك توين، إنّ خداع الناس أسهل من إقناعهم أنّه قد تمّ خداعهم!

 

يقال: إنّ الشياطين تكمن في التفاصيل. التفاصيل حول كيفية عمل إدارة الكفاءة الحكومية الجديدة، أو DOGE، وكيف سيتجنّب ماسك والرئيس المشارك، فيفيك راماسوامي، تضارب المصالح، لكنّ الثنائي تحدّثا بصراحة عن مجالات الحكومة التي يرغبان في تغييرها، في حين أنّ لدى ترامب والمشرّعين الجمهوريّين قائمة طويلة من البرامج والعمليات التي يرغبون في إصلاحها.

 

لكن، وعلى رغم من وعد ترامب بأنّ المبادرة ستُحدِث «تغييرات جذرية»، إلّا أنّ ماسك وراماسوامي لن يكون لهما أي سلطة مباشرة لإجراء تخفيضات في الإنفاق أو تغييرات تنظيمية أو أي تحرّكات أخرى. وستكون المجموعة موجودة خارج الحكومة، ومن المرجّح أن تعمل على تقديم توصيات إلى البيت الأبيض بشأن الميزانية السنوية للرئيس، والتي تحدّد رؤية الرئيس، لكن ليس مطلوباً من الكونغرس اتباعها.

 

 

يقول جون ستيوارت ميل: «إنّ الخطر الرئيسي في عصرنا الحالي هو قلّة مَن يجرؤون على أن يكونوا مختلفين». عندما سُئل ماسك الشهر الماضي عن الخطوات الأولى للمبادرة، ردّ بأنّ هناك الكثير من الهدر الحكومي، لدرجة أنّه سيكون من السهل العثور على الأهداف، وأضاف «الوزير» ماسك، وريث العالم والمخترع العالمي الكبير «تسلا»، مجازياً أو افتراضياً، أنّ «من الواضح أنّنا، كدولة، نحتاج إلى العيش في حدود إمكانياتنا أي تقشف. وهذا يعني النظر إلى كل بند وكل حساب، أي مراقبة. والقول: هل هذا ضروري على الإطلاق؟ وهنا تتحوّل الضرورة النسبية إلى ضرورة مطلقة. لكن كيف؟». وهنا تأتي دعوة شريك ماسك في الوزارة راماسوامي، أكثر تحديداً بشأن التخلّص ممّا يصل إلى 75% من القوى العاملة الفيدرالية، والذي يصل عدد العاملين فيها إلى 2,3 مليون مدني، ويعمل ما يقرب من 60% منهم في وزارات الدفاع وشؤون المحاربين القدامى والأمن الداخلي.

 

كما دعا إلى إغلاق وزارة التعليم ونقل برامج تدريب القوى العاملة إلى وزارة العمل والقضاء على مكتب التحقيقات الفيدرالي ونقل 15000 من عملائه الخاصين الذين يحلّون القضايا إلى وكالات أخرى؛ والتخلّص من الهيئة التنظيمية النووية ونقل مهامها إلى إدارات أخرى. ممّا دعا مستشار الحملة الاقتصادية لترامب، ستيفن مور، إلى القول: «إنّ استئصال الهدر في الحكومة يُعدّ «مهمّة ضخمة». ستحتاج DOGE إلى مئات الأشخاص لإنجاز هذا الأمر»، مشيراً إلى أنّ «الأمر لن يقتصر على ماسك و راماسوامي فقط». في عام 1951 كتب إريك فروم، «سيصبح الإنسان الحديث ترساً في آله الانتاج والاستهلاك، يدور معها ولا يشعر بذلك، يكون مغترباً وضجراً ولا يشعر بشيء». الاستهلاك، عند إريك فروم دليل على الضجر، الاكتئاب، الخواء النفسي. جاء هذا اليوم الذي تنبأ به إريك فروم، وأصبح الإنسان الحديث، كائناً مستهلكاً، ضجراً، مدفوعاً برغبة امتلاك لا شعورية، لا نكتفي بشيء، هذا عصر الإنسان الروبوت الذي تنبأ به فلاسفة الاغتراب… نعم، الاغتراب الذاتي. والاغتراب الموضوعي!

 

 

لم يأتِ تشكيل مكتب إدارة كفاءة الحكومة (D.O.G.E.) من فراغ: لأنّ ميم كوين مستوحى من المبادرة الجديدة لترامب وماسك والمخطّط لها بدقّة متناهية. وفي آب 2024، لم يكن إنشاء عملة الميم D.O.G.E مستوحاة من نكتة لإيلون ماسك، بل من دراسات كافية ووافية تشكيل مكتب حكومي أميركي يُسمّى قسم كفاءة الحكومة.

 

وأطلق مطوّرو العملات الرقمية رمز D.O.G.E. وفي فترة وجيزة. شهد الرمز زيادات كبيرة في الأسعار خلال الأنشطة المتعلقة بالانتخابات وظهور ماسك الدعائي الهادف لها. وفي 12 تشرين الثاني، غرّد ماسك عن تصريح من الرئيس ترامب، الذي أعلن عن إنشاء «إدارة كفاءة الحكومة» بقيادة ماسك وراماسوامي. كما صرّح ترامب أنّ المبادرة «ستمهّد الطريق لإدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص اللوائح الزائدة، وقطع النفقات غير الضرورية، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية».

 

نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر مطلعة (لم تُسمّها) أنّ خطّط ماسك تسعى إلى إحداث تغيير في الإنفاق الحكومي، وخفض ما لا يقل عن 2 تريليون دولار من الميزانية الفيدرالية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوكالات الحكومية، فضلاً على تقليص ما يعتبره «البيروقراطية غير الضرورية». وربما يكون للاسم المختار لهذه الوزارة رمزية خاصة تُجسّد طيفاً واسعاً من الرموز الثقافية والتاريخية؛ فالإسم «DOGE» يمثل الأحرف الأولى من وزارة كفاءة الحكومة Department of Government Efficiency. لكنّه في الوقت عينه يحمل معاني أخرى متعدّدة؛ إذ يشير إلى لقب تاريخي كان يُمنح لرؤساء الدولة في مدن إيطالية مثل البندقية وجنوة، حيث كان الـ»دوغ» رمزاً للحكم والقوة. كما أصبحت كلمة «دوغ» رمزاً شهيراً في عالم الإنترنت من خلال ميم «دوغ»، الذي يُظهر كلباً من نوع «شيبا إينو» بعبارات طريفة، وأصبح لاحقاً رمزاً لعملة مشفّرة تُعرف باسم «دوغ كوين».

 

 

كتب الباحث في معهد مانهاتن، برايان ريدل، أنّ إجراءات خفض هدر الأموال الحكومية والاحتيال وسوء الاستخدام، يمكن أن تؤدّي إلى خفض في الإنفاق الحكومي. مشيراً إلى أنّ التخفيضات الإضافية التي قد تتجاوز ذلك قد تصبح أكثر من مشروع أيديولوجي يُركّز على قتل البرامج التي لا تعجبك بدلاً من جعلها أكثر كفاءة.

 

في المقابل، ينظر بعض المراقبين بتفاؤل إلى خطوة تعيين ماسك، معتبرين ذلك توجّهاً غير تقليدي في الإدارات الأميركية تاريخياً. ويمكن أن تعكس محاولة جادة لتقليل البيروقراطية الحكومية وتوجيه الاقتصاد نحو كفاءة أعلى، من خلال تبنّي أساليب القطاع الخاص وريادة الأعمال التي يمثلها ماسك، مثل التركيز على الابتكار، التحوّل الرقمي، والحَدّ من الهدر المالي.

 

وهذه قد تحفّز قطاع الأعمال، ما سيخلق بيئة اقتصادية أكثر تنافسية داخلياً. على الصعيد الدولي، من الممكن أن تكون لهذه الخطوة تأثيرات مهمّة، إذ قد يتبعها تغيير في العلاقات الاقتصادية والسياسية الأميركية مع العالم.

 

كان ماسك داعماً كبيراً لترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2024. ولإظهار دعمه، قدّم موارد مالية ضخمة (حوالى 200 مليون دولار) واستخدم منصته لوسائل التواصل الاجتماعي (X) لنشر رسالة ترامب. كما كان يظهر علناً في تجمّعات ترامب، وغالباً ما ينضمّ إليه على المسرح. ليس من المستغرب أن يكون لفوز ترامب الأخير في الانتخابات تأثير هائل على سوق العملات الرقمية التي شهدت ارتفاعاً هائلاً في القيمة، إذ وصل «البيتكوين» إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 75,000 دولار وفي ارتفاع يومي مستمر.

 

 

علاوة على ذلك، من المتوقع أن تلغي إدارة ترامب اللوائح على صناعة العملات الرقمية، ممّا يسمح ببيئة أكثر استعداداً للنمو. بشكل عام، كان لفوز ترامب تأثير إيجابي هائل على سوق العملات الرقمية، مع توقع تحسينات إضافية في المستقبل القريب. سُئل الفيلسوف الفرنسي الكبير فولتير عمّن سيقود الجنس البشري؟ فأجاب: الذين يعرفون كيف يقرؤون.