بقيت حقيبة الطاقة مع “التيار الوطني الحر” وتحت إشراف رئيسه النائب جبران باسيل، ليتمكن من إدارة ما تختزنه من خيرات موعودة وتوظيفات محمودة، ومشاريع تدر مردوداً، عبر التلزيمات والشركات غب الطلب…
الوزير الجديد لصيق بباسيل والأرجح أن القرار سيكون للأخير فيها مهما قيل عن استقلالية بعض الوزراء. والأمر يطرح السؤال عن موقف الدول المعنية بالمساعدة على تأهيل الكهرباء.
صحيح أن الملفات التي ستكون على كاهل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجعله في موقع لا يحسد عليه، نظراً إلى كثرتها وأهميتها حيث الأولويات مسطحة ومتساوية في كل ما يمت بصلة إلى الشؤون الحياتية مع الحالة المأسوية التي بلغتها، والتي ستنفجر في وجه حكومته دفعة واحدة بسبب رفع الدعم. لكن الصحيح أيضاً أن ملف الكهرباء ربما صح وصفه بأنه أم الملفات لأنه ينعكس على أوجه الحياة كلها، الصحية والاستشفائية والغذائية والإدارية… والتنقلات وسائر النشاطات الاقتصادية والتعليمية. وهو ما جعله يضع في صدارة خططه وفي اتصالاته السابقة على تكليفه تشكيل الحكومة، هذا القطاع بالذات.
طموح رئيس الحكومة تلزيم معامل الطاقة الكهربائية لتصبح كلفة إنتاج الكيلواط 7-8 سنتات فيما كلفتها الآن 20 سنتاً من معامل الدولة على الفيول، و25 سنتاً من المولدات الخاصة.
خَبِر ميقاتي ملف الكهرباء بتقنياته وفضائحه منذ رئاسته حكومة 2011 التي كان وزير الطاقة فيها باسيل متأبطاً خطة الكهرباء التي أقرت في حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2010، والتي وضع الجزء الأكبر منها الفريق الاقتصادي لزعيم “المستقبل”. استقالة قوى 8 آذار من حكومة الحريري في حينها لم تتح البدء في تنفيذها. مع حكومة ميقاتي أصر باسيل على تنفيذ الخطة وفق تصوره هو، بتخصيص اعتمادات قيمتها مليار و200 مليون دولار من خزينة الدولة، جرت تغطيتها بمزيد من الاستدانة، للبدء في بناء معمل دير عمار، بدلاً من اقتراح ميقاتي ووزير الاقتصاد في حينها نقولا نحاس، وسائر الوزراء اللجوء إلى صناديق التمويل العربية للحصول على تمويل بتسهيلات مالية ملائمة للمالية العامة، على أن يوزع تسديد الدين على 25 سنة بعد فترة سماح لخمس سنوات، وبفائدة متدنية (1،5 في المئة)، خلافاً للفائدة على سندات الخزينة التي تفوق الـ8 في المئة. رفض باسيل اللجوء إلى الصندوق الكويتي رغم مفاوضات جرت معه بحجة أن معاملات ورقابة الصناديق العربية تأخذ وقتاً، فيما تنفيذ الخطة يتطلب تحركاً عاجلاً تحقيقاً للوعد المسرحي بتأمين الكهرباء 24 على 24 في العام 2015… منذ حينها انحدر القطاع إلى ما هو عليه الآن، مع كل روائح فضائح الإنفاق فيه والصفقات، من الاستعانة بالبواخر إلى غيرها من أبواب الهدر…، وصولاً إلى تكبيد هذا القطاع الخزينة 46 في المئة من الدين العام الذي يفوق الـ92 مليار دولار. حديث الروائح هذه يملأ مجالس الديبلوماسيين المتعاقبين من دول عربية وغربية وشرقية، وبعض العواصم، قبل الصالونات السياسية اللبنانية. وهو ما دفع بها إلى طلب إسناد الحقيبة إلى مستقل عن الجهة التي تولت الحقيبة لسنوات.
الأرجح أن إعلان ميقاتي أول من أمس بعد ساعات قليلة من إعلان حكومته، اتصاله بالكويت لإحياء خيار تمويل الصندوق الكويتي لبناء معامل الكهرباء هو استباق لأي خيار آخر، على افتراض أنه لم يعد لفريق باسيل قدرة على مقاومته.
لكن الرواية تقول إن فريق باسيل بدأ التفاوض مع المرشحين لتولي حقيبة الطاقة قبل أسابيع من أجل التفاهم معهم على ما يطمح إليه الصهر. وتولى جانباً من التفاوض وزراء سابقون للطاقة من الطاقم إياه. والمطلب الأساس كان إعادة بناء معمل توليد الطاقة في سلعاتا الذي كان البنك الدولي نصح بالاستغناء عنه بعدما أدخله باسيل من ضمن الخطة، واستثنته خريطة الطريق الفرنسية من بنودها، لأن باريس تدرك أن الهدف منه سياسي ومناطقي، بعيد عن حاجة البلد الفعلية، وحصرت مشاريع البناء في الشمال والجنوب.
لم تتغير ذهنية الفريق الحاكم على رغم كل ما حصل منذ 17 تشرين 2019، في السعي للمكاسب الفئوية التي قادت البلد إلى الهاوية. وهو يعتمد على أن تعطيل الحكومة نجح في تحوير الكثير من بنود المبادرة الفرنسية وصولاً إلى تجاوز المعايير في تشكيلها، ويراهن على مزيد من التحوير فيها، طالما تنازلت باريس عن تلك المعايير.
إنه واحد من الأمثلة عن المماحكات التي تنتظر حكومة ميقاتي. والعين الجشعة تصوِّب على منافع من الشركات التي ستستورد الغاز المصري… أما التفاوض على الاتفاق مع صندوق النقد والإجراءات التي تتوجب على لبنان، فله حديث آخر.