من باب كونها مقدمة لعودة مفاوضات تشكيل الحكومة الى الطريق الصحيح تلقف “الثنائي الشيعي” خطوة الرئيس سعد الحريري. حلت عقدة فماذا عن العقد الثانية؟ فهل سيلعب دور الرئيس المكلف في اختيار الوزراء وتوزيع الحقائب ويتولى بنفسه إختيار الوزراء الشيعة في الحكومة؟ اسئلة لا يملك الثنائي الاجوبة عليها بعد بينما تؤكد مصادره “لا يسمي وزراء الشيعي الا الثنائي الشيعي”. الخطوة التي صورها الحريري كـ”انتحار سياسي” كان يمكن تجاوزها يوم إقترح عليه الفرنسيون منح الشيعة حقيبة المالية وحق تسمية الوزراء. تأخر عشرة ايام ولكنه حرك جموداً كاد يهدد مصير المفاوضات واعطى جرعة دعم للرئيس المكلف.
حين أبلغ الحريري رؤساء الحكومات السابقين قراره قوبل بالرفض، وفي محاولة لتطويقه قصد الرئيس فؤاد السنيورة دار الفتوى وعاد خالي الوفاض. نسق الحريري خطوته مع الفرنسيين ومضى الى اعلانها بعد ان كانت صدت الابواب المحلية والفرنسية في وجهه. منذ مدة وعلاقته مقطوعة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى خصام مع رئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لمحاولته إقناع الفرنسيين بإسناد حقيبة المالية الى “الثنائي”، وعلاقة غير جيدة مع “القوات اللبنانية”. كل هذه الاجواء تلبدت في سماء الحريري الزرقاء.
حزيناً كان الحريري وغاضباً. ثلاثة اعتبارات بنى عليها قبل اعلان بيانه: إنهيار البلد وضرورة التقدم بأي خطوة إنقاذية، إظهار موقف ايجابي تجاه الفرنسيين ورمي كرة التعطيل في ملعب الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية ميشال عون. أخطأ الحريري في ادارة اللعبة وفي التراجع لكن لم يكن امامه خيار آخر. هكذا يقول عنه معارضو خطوته ويعتبرون أنه لا يعرف كيف يربح ولا كيف يخسر ولا يعرف خوض المواجهة الى الآخر، يداري ويحسب لكل أمر ألف حساب وحساب. قساوة بيانه هدفها حفظ ماء الوجه، لكن يسجل له تراجعه طالما ان الجميع بمن فيهم الفرنسيون اتفقوا على ان الحل في متناوله وحده. في تفسير قوى أخرى ان خطوة الحريري جاءت بعد غضب فرنسي وتحميله مسؤولية تفشيل المبادرة، بدليل الموقف الاخير الذي عبر عنه عبر “تويتر” ومفاده أن “وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصرياً لأي طائفة، ورفض المداورة”. لمس ان موقفه هذا كان بمثابة دعسة ناقصة لم تحقق غايتها. أمنت خطوته الجديدة عودة العلاقة مع الفرنسيين بشكل تم التعبير عنها من خلال البيان الفرنسي الذي وصف خطوته بـ”الشجاعة”، معتبراً أنها “تبرهن عن حسّه بالمسؤولية والمصلحة الوطنية للبنان”.
وما إشارة الخارجية الفرنسية الى اعتبار الخطوة بمثابة “الإعلان الذي يشكل انفتاحاً يجب أن يقدر اهميته الجميع كي يتم تشكيل حكومة مهمّة”، الا دعوة صريحة لتعاون الجميع وبأن لا حجج اضافية مسموحاً بها بعد اليوم.
تراجع الحريري خطوة الى الوراء أعاد للمبادرة الفرنسية فرص النجاح، لكن هل تعيد مثل هذه الخطوة علاقته مع الثنائي الشيعي؟ الجواب لن يكون سلبياً بطبيعة الحال. وعلى قاعدة “مكره اخاك لا بطل” لن يجد الثنائي الشيعي غير الحريري زعيماً ممثلاً عن السنة للتواصل معه، على الرغم من ان زيارة النائبة بهية الحريري الى عين التينة شهدت من العتب ما زاد وفاض، وقد فتح بري جردة حساب لعلاقته مع الحريري والمواقف التي سلفها لأجله. هنا قد يكون العتب على قدر المحبة ولكن مشاورات الحكومة مرهونة بخواتيمها. إذ لا يكفي ان تحسم حقيبة المالية والخوف من تكرار عقبات ناتجة عن تمسك قوى اخرى بحصص طوائفهم، او ينتقل المشكل الى حصة رئيس الجمهورية عددياً وبالحقائب… اللهم الا اذا كانت الطبخة نضجت خلف الكواليس وما كتب قد كتب وهذا هو المرجح.